موقع اممي ثوري ثقافي مناهض للامبريالية ومناصر لقضايا الشعوب حول العالم.

ماهر جآيان : الرائحة الحادة لتحريفية 2

أولاش بارداكجي - ماهر جيان
29
image_pdf

الرائحة الحادة لتحريفية (2)*

“إذا تم تطوير جهد لفهم فكر لينين، فسأكون سعيداً”. كنعان سومر

-1-

في مقالنا في العدد السابق، رأينا كيف قام سومر، الذي قدم كتاب لينين “الدولة والثورة” في مجلة العمل، بتزييف “النظرية اللينينية للثورة” التي لها صلاحية عالمية بنسبة لماركسيين في فترة الرأسمالية الاحتكاريةوشرحنا كيفية القيام بذلك. في هذا المقال، سنكشف كيف تم تحريف كتاب لينين “تكتيكات وشعارات بين ثورتين” و “الديمقراطية الجديدة” لماو تسي تونغ من قبل سومر بنفس الطريقة.

«في أي ظرف تاريخي كتب لينين ’الدولة والثورة’؟ ما هي القضايا الاستراتيجية والتكتيكية الرئيسية في ذلك الوقت؟ لا يمكن تقييم أهمية الكتاب بشكل صحيح إلا في هذا الإطار. فقط بمثل هذا التقييم يمكن أن يوفر إمكانية الفهم الإبداعي للحقائق ذات الصلاحية العامة في الكتاب “.(العمل ، العدد: 5، ص 14) بقوله هذا يقوم بتحليل وتقيم موجز لفترة مابين ثورتين شباط وتشرين الأول.

ليس لدينا إعتراض على كلمات كنعان سومر أعلاه. لأن ما ذكره هو الحقائق المقبولة من قبل جميع الاشتراكيين بشكل عام.

اعتراضنا ليس على اقتراح كنان سومر للمقدمة، بل على التفسير  سومروية  للتكتيكات والشعارات اللينينية بين الثورتين التي قدمت بعد هذا الاقتراح.تفسير السيد سومر ناجح جدا (!)، نجاحه لدرجة أنه بعد قراءة هذا التعليق، يشعر المرء بأنه مضطر لقول “آمين” لروح اللينينية. هو تفسير، تفسيرٌحيث تبتسم من تحتها التحريفية.إعتراضنا هو على تزوير التحريفية، التي تظهر اليسار ولكنها ترفع قبضتها اليمنى في الهواء.

قبل الشروع في تحريفية السيد سومر للتكتيكات والشعارات اللينينية بين الثورتين، من الضروري ذكر ما يلي: في الواقع، من أجل فهم نظريات “الدولة” و “الثورة” في كتاب “الدولة والثورة” بطريقة صحية، من الضروري للغاية شرح الظروف بين ثورتي عام 1917.إنه ضروري، لكنه لا يكفي بمفرده.إنها مجرد حالة لأجل فهمهابشكل صحيح. إذا قبلنا تفسير هذه الفترة لوحدها, لا يمكننا شرح أي شيء، في المسار الحقيقي لنظريات لينين حول “الثورة والدولة”.

في رأينا، يحاول الكاتب ’العمل’، بعد وصف الأحداث بين ثورتين، حيث يضع القارئ في قالب ضيق، ويعطي وجهة نظر ضيقة، بقوله: “هنا! في الكوخ على شواطئ رازليف كتبت ’الدولة والثورة’، في آب – أيلول 1917، في هذه البيئة”.

ومع ذلك، كما هو معروف، لم يكون هذا العمل نتاج 1917،  إنه نتاج الفترة بين الثورة الديمقراطية الثانية والثورة الاشتراكية.كتب لينين هذا العمل من بعد الثورة الديمقراطية عام 1905 وفي السنوات التي تلتها، وخاصة أثناء الحرب الإمبريالية الأولى، من خلال رصد وفحص خيانات الانتهازيين، وصفهم بأنهم “شوفينيةالاجتماعية” الذين خانوا الماركسية علنا، وقرأ مراراً وتكراراً نظريات ماركس وإنجلز حول “الدولة” و “الثورة”، وجمع الوثائق اللازمة في دفتر ملاحظاته الشهير صاحب غظاء الأزرق.(خاصة في عام 1916، كان إنكار كاوتسكي للمفهوم الماركسي للدولة و “ديكتاتورية البروليتاريا” مؤثرا جدا في تفكير لينين لأجل كتابة هذا العمل).للتلخيص بإيجاز، فإن الأطروحات الماركسية في هذا العمل هي نتيجة لفترة ليست قصيرة تشكلت فيها اللينينية، هي نتاج تعمق في مقترحات ماركس وإنكلس. يجب فهم من مقدمة الكتاب بهذا الشكل، حيث يقول ” تم كتابة هذا الأثر في آب-أيلول 1917″. أن معنى الكلام واضح. لينين، على شواطئ رازليف، حين كان مطلوباً من قبل شرطة حكومة كيرنسكي قام بجمع وثائق الذي بحوزته وكتب هذا الكتاب.لذلك، بأن هذا الكتاب يعتمد فقط على الظروف  بين ثورتين، سيكون تقييم خاطئ. ذاتاً السيد سومر يضع نفسه في مأزق متناقض مع نفسه، حيث يقول بأن كتاب دونت ما بعد ثورة تشرين الثاني، لذا ليس له تأثير على الثورة. كما أوضحنا في مقالتنا في العدد السابق، فإن هذه الكلمات تعني بأنه لم يكن لـ لينينأي تأثير مباشر على ثورة تشرين الثانس 1917، وهنا ليس لدينا ما نقوله لهذا التقييم الرائع (!).

قبل الانتقال إلى تفسير السيد سومر، دعونا نرجع إلى زمن بعيد من عام 1917، من المفيد أن نصف بإيجاز وجهات نظر لينين حول “التنظيم” والتنظيم البلشفي، اللذين يشكلان جوهر اللينينية، دون الخروج عن موضوعنا.لأن نظرية الثورة اللينينية لا يمكن فهمها بسهولة دون توضيح “مبدأ التنظيم”.

في رأينا، لا يمكن توضيح تكتيكات وشعارات اللينينية ، فيما بين ثورتين 1917، وكذلك تحريف سومر، إلا من خلال مثل هذا التفسير الأولي.

-2-

حدد لينين الاختلافات والسمات المختلفة للفترة الرأسمالية الاحتكارية من فترة ما قبل الإحتكار، وصاغ النظريات والتكتيكات اللازمة لحل تناقضات هذه الفترة ، وعمق فكر ماركس وإنكلس وصاغه.

النظريةوالاستراتيجية والتكتيكات التي اقترحها لينين فيما يتعلق بتحليل تناقضات الفترة الرأسمالية الاحتكارية، وتحليل تحوله إلى الاشتراكية، تطورت في ممارسته السياسية جنبا إلى جنب مع نضاله النظري الشرس ضد الماركسية الأرثوذكسية، والتي فسرت ماركس ميكانيكيا.لهذا السبب، من الضروري فهم والنظر في اللينينية والأطروحات العالمية للماركسية بخصوص نظريات “الدولة” و “الثورة” ، ضمن هذا الإطار.إن نضال لينين الدؤوب ضد الانتهازية، التي يشار إليها باسم “الاقتصادوية” و “الماركسية الأرثوذكسية” و “الماركسيين القدريين”، إلخ، في الأدبيات التي تختزل الماركسية في التطور من خلال تفسيرخاطئلوجهة نظر ماركس بأن “الاقتصاد يحدد السياسة في نهاية المطاف” وتحويل الروح الثورية للديالكتيك الماركسي إلى روح النعناع، ينعكس في كل منالنظرية والاستراتيجية وتكتيكات في اللينينية.

لا يمكن تفسير “النظرية الماركسية اللينينية للثورة الدائمة” ولا نظرية “الدولة والثورة” دون شرح موقف اللينينية من “الموضوعية” ، التي تحول الماركسية إلى قدرية سلبية، إلى “التطورية”، التي تقول: ” الرأسمالية غير متطورة في بلد مثل روسيا، الثورة البروليتارية مستحيلة، لذلك من الضروري أن نتوقع من الرأسمالية أن تتطور وتخلق الظروف اللازمة للثورة الاشتراكية”.

إن التنظيم اللينيني هو رد فعل ضد الموضوعية، وضد “الذات النقابية العفوية” من خلال تحليل صحيح لتناقضات المرحلة الإمبريالية.

على وجه الخصوص، في “خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء” و”ما العمل” ، يشرح لينين المنظمة اللينينية بطريقة دقيقة.كما هو معروف، يتم رسم المخطط التنظيمي وفقا للمسار الواجب اتباعه للوصول إلى الهدف. بمعنى آخر، التنظيم هو تعبير ثابت عن خطة عمل عامة.

يقول لينين إن “النقابات العمالية-الوصول العفوي” ستؤدي إلى إصلاحية برجوازية صغيرة، وأن الحركة التي لا تقبل طليعة الاشتراكية الديمقراطية (الماركسية-اللينينية) ستبقى حتما حركة برجوازية صغيرة، وأن الطبقة العاملة يمكن أن يكون لها وعي نقابي عفوياً، وأنه لهذه الأسباب لا يمكن إعطاء البروليتاريا الوعي إلا من الخارج. يمكن إعطاء الوعي للبروليتاريا من الخارج من قبل حزب ثوري، المكونمن ثوارمكرسين حياتهم للثورة، من طليعة عدد صغير من الحزبيين، الذين قبلوا النظرية كدليل للعمل، وحزب ثوري يعتمد على المركزيةالديمقراطية.

فقط من خلال مثل هذا الحزب يمكن ل “جيش البروليتاريا” ، الذي ستتاح له الفرصة لاكتساب الوعي السياسي، الإطاحة بالبيروقراطية والعسكرتارية  اصبحت قوية جداً في فترة الاحتكار.إن أخطاء الماركسية الأرثوذكسية، الذين فسروا ماركس ميكانيكيا، وبالتالي أخطأت في تحليل تناقضات الفترة الرأسمالية الاحتكارية، انعكست بشكل طبيعي في وجهات نظرهم حول التنظيم.

دافعت الماركسية الأرثوذكسية عن فكرة المنظمات العمالية،المحلي، “اللامركزية”، منظمة من أسفل إلى أعلى، وواسعة النطاق وغير- الحزبية وتعمل في إطار قانوني. في وقت لاحق، سيؤدي هذا الرأي إلى ظهور “السوفييت”.(أكسلرود، منظر المنشفيةوماركسي-أرثوذكسي، دافع بقوة عن مخطط التنظيم هذه بشدة، ضد لينين).

“إن المبادئ التنظيمية للاشتراكية الديمقراطية الانتهازية تتبع إجراءات التنظيم من القاعدة إلى القمة، وبالتالي (بحماس شديد) تفضل الحكم الذاتي والديمقراطيةبقدر ممكن و تصل إلى نقطة الفوضوية.

أما المبادئ التنظيمية للاشتراكية الديمقراطية الثورية، فتتبع طريقة التنظيم من أعلى إلى أسفل، وبالتالي فهي تؤيد توسيع قوة وحقوق المركز بخصوص الأجزاء”.” (خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء، ص 232-233، لينين، منشورات اليسار).

توضح المنظمة اللينينية كيف يجب فهم النظرية اللينينية للثورة.

يقول لينين: “الطبقة المضطهدة التي لا تحاول تعلم كيفية استخدام السلاح، والتي لا تسعى جاهدة لامتلاك السلاح، فهي تستحق أن تعامل كعبيد”.(1)

وفقا للينين، يجب أن تكون الظروف الموضوعية والذاتية ل “الثورة البروليتارية” في بلد ما (المستوى الاقتصادي للبلاد ومستوى وعي البروليتاريا وتنظيمها) مناسبة للثورة.

إن إجابة لينين على أولئك الذين يقترحون، أثناء الثورة الديمقراطية، الاستيلاء الفوري على السلطة وإقامة دكتاتورية البروليتاريا واضحة؛ «إن التطور الاقتصادي (الظروف الموضوعية) التي وصلت إليها روسيا ودرجة الوعي والتنظيم التي وصلت إليها الجماهير الواسعة من البروليتاريا (الظروف الذاتية التي لها روابط لا تنفصم مع الظروف الموضوعية) تجعل التحرر الطبقة العاملة حالياً وبشكل كامل مستحيلاً(…) إن تحرر العمال سيكون من عمل العمال أنفسهم، وبدون وعي الجماهير وتنظيمها، وبدون إعداد وتثقيف الجماهير، لا يمكن أن تكون هناك مسألة ثورة اشتراكية». (تكتيكان ، ص 20-21 ، لينين ، منشورات اليسار)

أفكار لينين، التي تشكل أسس اللينينية، مثل التنظيم والثورة، لم تفهمها الماركسية الأرثوذكسية أبداً، وأستهدفوه من خلال اتهام لينين بأنه منحرف انحرف عن الماركسية، وثوري برجوازي ـصغير يطمح إلى الديكتاتورية ، وبلانكيست.

بعد ثورة شباط عام 1917، تبنى تروتسكي اللينينية من خلال اتخاذ الجانب “البلشفي” (فترة تروتسكي الثورية). “بطبيعة الحال، أن أفضل الظروف للعصيان عندما يكون هناك كفة ميزان القوى بأقصى الحد لصالحنا.نحن هنا، بالطبع، نتحدث عن علاقات القوى في مجال الوعي، أي في مجال البنية الفوقية السياسية، وليس الأسس الاقتصادية التي يمكننا أن نفترض أنها ستبقى دون تغيير إلى حد ما طوال الفترة الثورية بأكملها.إن علاقات القوة، القائمة على أساس اقتصادي واحد وتمييز طبقي واحد داخل المجتمع، تتحول بما يتناسب مع الجماهير البروليتارية التي تدمر خيالها وتزيد من تجربتها السياسية، وعندما تنتهي ثقة الطبقات والشرائح الوسطى في سلطة الدولة، وأخيرا تصل إلى نقطة تفقد سلطة الدولة ثقتها بنفسها.. خلال الثورة، تمركل هذه المراحل بسرعة البرق. فن الاستخدام التكتيكي يعني أنه عندما يجتمع الظروف معا، هو إمكانية الأستفادة من الفرص في اللحظة المناسبة “. (2) بقوله هذا يشرح بدون نقاش ما هي هدف اللينينية، وما هو ذو أهمية حيوية.

بعد هذا البيان التمهيدي، دعونا نعود إلى تفسير السيد سومر بين الثورتين. ودعونا نظهر كيف حرف التكتيكات لينين والشعارات التي اقترحها، وتحريفهعن هدفها الرئيسي.

-3-

يفسر السيد سومر أطروحة “كل السلطة للسوفييت” ، وهي واحدة من أطروحات 10 نيسان، على النحو التالي.(…) “لم يشكل ذلك دعوة للإطاحة بالحكومة المؤقتة من قبل الشعب من خلال انتفاضة مسلحة. لأن محاولة الإطاحة بالحكومة المؤقتة بالقوة ستعني أيضا تمردا ضد السوفييت الذين أتفقوا معها ودعموها. ولكن، وفقا للينين، بعد ثورة شباط، نشأت فرصة “استثنائية” للانتقال السلمي السلطة كلها إلى السوفييتات.(…) لكن الوضع قد يتغير وقد يجوز للحزب أن يواجه ضرورة الاستيلاء على السلطة بالسلاح. لينين، الذي يصر على استخدام جميع الوسائل السلمية، لا يستبعد طريق الإطاحة بالدكتاتورية البرجوازية من خلال الانتفاضة المسلحة…” (العمل، العدد: 5، ص 15)

في الواقع، لم يتضمن شعار “كل السلطة للسوفييتات” دعوة لانتفاضة مسلحة ضد الحكومة المؤقتة، في نيسان 1917. لكن دعونا نكون حذرين مع كلمات السيد سومر بعد ذلك.

البيان واضح، وفقا لسومر، نظرا لوجود إمكانية استثنائية للانتقال السلمي، قاوم لينين الانتقال إلى الاشتراكية بالوسائل السلمية حتى الأخير، لكنه في النهاية لجأ إلى القوة لأنه لم يكن هناك خيار آخر.

وكما يتضح من التفسير المسبق في الفصل الثاني، فإن مثل هذا التفسير يتعارض مع لطيفة اللينينية. وبالتالي فإن مثل هذا التصريح يتعارض مع أفكار لينين نفسه. كما سنتذكر، في مقالتنا في العدد الأخير، اتهمنا السيد سومر بعدم ” إمتلاكه لنزاهة العلمية” بقولنا؛ “كنعان سومر لا يحاول عرض الأعمال الرئيسية للماركسية، ولكنه يعمل لعرض أفكاره الانتهازية من خلال أعمال ماركس ولينين”. ومن الواضح أن تعليق السيد سومر هذا دليل واضح وقاطع على اتهامنا.

علاوة على ذلك، فإن هذا التفسير يقلل من لينين وينزله إلى مستوى دورينغ. ألا يقول دوهرينغ أيضا أنه يجب على المرء أن يصر على “المسار السلمي” حتى النهاية، وأنه فقط عندما يكون ذلك ضروريا للغاية يمكن اللجوء إلى “العنف”؟ من بعد هذا التفسير، مالفرق بين لينين  والمنظِر الإيديولوجي البرجوازي الصغير دورينغ؟

يحاول الشخص ذو الموضوعية العلمية تفسير عمل يحاول الترويج له، وليس كما فعل سومر، في ضوء رأي صاحب هذا العمل.

دعونا نلخص بإيجاز هذه الفترة من أجل توضيح الشعارات والتكتيكات التي تصورها لينين بين ثورتين في عام 1917، وبالتالي تجسيد “الواضح”، لـ “تحريف سومر”في نظر القارئ . (لجعل الأمر واضحا جدا، سنتطرق فقط إلى الشعارات والتكتيكات والأحداث في هذه الفترة التي لها علاقة وثيقة جدا بموضوعنا).

وفقا للينين، الذي وصل إلى بتروغراد في 3 أبريل، كانت الظروف الموضوعية لروسيا جاهزة للثورة الاشتراكية. لكن الظروف الذاتية لم تكن جاهزة، لأنه في السوفييتات حيث تنظيم العمال والفلاحين والجنود، كانوا المناشفة والاشتراكيون الثوريون مسيطرون.

في نظر الجماهير، كانت السلطة المعنوية للسوفييتات أعلى من السلطة المعنوية للحزب البلشفي. لهذا السبب، بالنسبة للينين، الذي اعتقد أن الانتفاضة خارج السوفييتات، هيئة صنع القرار للجماهير الكادحة، لن تكون سوى “مغامرة يسارية”، فإن الثورة الاشتراكية ممكناً فقط ضمن شرعية السوفييتات. أي أن إنضاج الشروط الذاتية للثورة الاشتراكية يعني تحقيق الأغلبية في السوفييتات.

اعتقد لينين أنه بهذا الشعار، فإن الجماهير سترى اللون الحقيقي للاشتراكيين المعتدلين (المناشفة والاشتراكيين الثوريين) سوف تراه الجماهير، وبالتالي ستتحقق الأغلبية في السوفييتات. لأنه كان من المستحيل على المناشفة، الذين كانت لديهم أغلبية في السوفييتات، قبول هذا الشعار وقبول السلطة من خلال وضع حد للحكم المزدوج.لأنه وفقا لنظرية المناشفة؛ هناك نوعان من الثورات، الثورة البرجوازية التي تقوم بها البرجوازية، والثورة الاشتراكية التي تقوم بها البروليتاريا؛ بما أن الظروف التي تمر فيها روسيا نفسها غير مناسبة للثورة البروليتارية، لذا يجب أن تكون السلطة ملكا للبرجوازية.(1905) إن المناشفة، الذين دخلوا الثورة الديمقراطية الأولى بالقوة وقبلوا الوضع كحمل ثقيل على أكتافهم، كانوا دائما يظنون بأن هزيمة هذه الثورة، بعد الثورة الديمقراطية الأولى إلى حقيقة أن الطبقة العاملة تقدمت كثيراً جدا، وأنها سببت الخوف البرجوازية وهروبها من خلال محاولة فرض مطالبها على البرجوازية بالقوة. من المؤكد أن المناشفة، الذين كانوا مصممين على عدم ارتكاب نفس الخطأ مرة أخرى بعد ثورة شباط 1917، من المؤكد بأنهم لن يتبنوا هذا الشعار.

وكنتيجة طبيعية لهذه الفكرة، انضم المناشفة، جنبا إلى جنب مع الاشتراكيين الثوريين، إلى الحكم البرجوازي، الحكومة المؤقتة، في شهر أيار.

في هذه الأشهر، اتخذت الشعارات والتكتيكات البلشفية أشكالا مختلفة وفقا لظروف الراهنة من أجل إعداد الذاتية. كانت الشعارات والمقترحات موجهة دائما إلى العمال المناشفة، الفلاحين الذين ركضوا وراء الاشتراكيين الثوريين. كانت هناك تحريضات ومحاولات مختلفة كل يوم حتى يتمكن الجماهير الكادحة فهم خيانات الاشتراكيين المعتدلين.

في هذه المرحلة، كان البلاشفة يهتفون شعارين رئيسيين. تم ترويج لشعار “كل السلطة للسوفييتات” ، “يسقط عشرة وزراء” وليست(“تسقط الحكومة المؤقتة”، ولكن “يسقط عشرة كاديت”. لأنه في الحكومة البرجوازية كان هناك أيضا اشتراكيون معتدلون الذينيملكون أغلبية في السوفييتات).

بدأ البلاشفة، الذين كانوا في البداية يمثلون أقلية، في التطور وأصبحوا أقوى من خلال إستخدام مستمر لهذه الشعارات التي تعبرعن آمال الجماهير الكادحة وتطبيق التكتيكات وفقا لهذه الشعارات. عندما لم تجد الجماهير الكادحة ما تأمل فيه لدى الاشتراكيين المعتدلين، فأنها بدأت تدريجيا في الانتقال إلى الجانب “البلشفي”.

ولكن، وفقا للينين، الذي نظر إلى التوازن القوى في البلاد، لم يحن الوقت بعد للضربة. بالنسبة إلى “البلاشفة اليساريين” في داخل الحزب الذين اقترحون اتخاذ إجراءات فورية في ضوء هذا التطورات، لكن لينين أقترح من ناحية طلب ضبط النفس والانتظار، ومن ناحية أخرى “… كان يناقش الأسئلة التالية في رأسه، هل حان الوقت؟ هل تجاوز مزاج الجماهير البنية الفوقية للسوفيت؟هل نحن معصوبي الأعين من شرعية السوفييتاتنعيش خطر التخلف والانفصال عن هواء الجماهير؟ (3)

خلال أسابيع متعددة، كان لينين يتساءل دائما في عقله عما إذا كان” عجب الوقت قد حان؟” و “هل نضجت الظروف؟”

وجاء شهر أب.

مرت خمسة أشهر على الثورة. على الرغم من كل التطورات الإيجابية، على الرغم من أنضمام الجماهير الكادحة إلى صفوف البلاشفة بشكل جماعي كل يوم، لم يكن هناك تغيير في المستويات العليا للسوفييتات. كان المناشفة والاشتراكيون الثوريون، الذين وقفوا في صفوف البرجوازية، لا يزالون يسيطرون على المستويات العليا من السوفييتات.بتقييم هذه الظروف والاعتقاد بأن الظروف الذاتية للثورة قد نضجت، أعطى لينين الأمر بالعمل، قائلا: “نحن معصوبة العينين بشرعية السوفييتات، نتخلف عن جو الجماهير ونبتعد عنهم”. “وصول البروليتاريا إلى السلطة المتحالفة مع الفلاحين”. في هذا الشعار، لم يكن لينين يدقع السوفيتات إلى خارج التحالف بشكل حاسم. “يمكن للسوفييتات ويجب عليهم الظهور في الثورة الجديدة. لكن هذه ليست سوفييتات اليوم، لأنها اصبحت أجهزة تسوية مع البرجوازية. يجب على البروليتاريا نفسها أن تستولي على السلطة …” (4)

في 26 أغسطس، حاول الجنرال كورنيلوف، الذي حصل في البداية على دعم كيرنسكي، بـ “ثورة مضادة” تستهدف كيرنسكي أيضا. بمعارضةنشطة من العمال والفلاحين والبحارة في كرونشتاد، تم قمع هذه المحاولة للثورة المضادة.

نجد أنه من المفيد بشكل خاص شرح الموقف البلشفي خلال قضية كورنيلوف. لأن التكتيك البلشفي ضد كورنيلوف هو مثال رائع على “المرونة التكتيكية” التي لا يستطيع المذهبيين البرجوازيون الصغار الذين يعتقدون أنهم ماركسيون فهمها. ضد كورنيلوف ، تحالف البلاشفة مع حكومة كيرنسكي، التي طبقت أقسى الأساليب عليهم وحاولت اعتقال لينين بإتهامه بـ”جاسوس ألمانيا”.

“عندما زار بحارة كرونشتاد تروتسكي المسجون وسألوا عما إذا كان ينبغي “إيجاد حل” لـ كيرنسكي، إلى جانب كورنيلوف، أخبرهم تروتسكي أنه سيكون من الأفضل سحق الأعداء واحدا تلو الآخر”. (5)

وكانت عملية كورنيلوف نقطة تحول. بالنسبة للاشتراكيين المعتدلين، الذين كانوا معروفين جيداً أنهم لن يستولوا على السلطة بدون البرجوازية، اقترح لينين أنه من أجل تشويه سمعتهم في أعين الجماهير الكادحة في السوفييتات، الذين لم يعد لديهم صبر، يجب عليهم التخلي فورا عن السلطة البرجوازية، بما في ذلك الكاديت الذين تعاونوا مع كورنيلوف، وتشكيل الحكومة بمفردهم. كانت إجابة الاشتراكيين المعتدلين، كما اعتقد لينين، سلبية.

“إن رفض مطلب من قبل المناشفة والاشتراكيين الثوريين قد أذل الأحزاب المذكورة أعلاه بشكل لا يمكن إصلاحه في نظر الطبقات العاملة”. (6)

الجماهير، التي كانت ترى خيانات الاشتراكيين المعتدلين بشكل ملموس، أنضموا إلى الجانب البلشفيوين. وهكذا ولأول مرة كان للبلاشفة أغلبية في السوفييتات، أغلبية ساحقة.

مرة أخرى، أصبح شعار “كل السلطة للسوفييت” هو الشعار الرئيسي.

الآن كانت كل الظروف جاهزة للثورة. (تكملتالذاتية) رد لينين التاريخي على كامانييف وزينوفييف، اللذين جادلا بأن “لا يحق لنا في تعريض تاريخ والأممية البروليتارية والطبقة العاملة الروسية والمستقبل كله من خلال ربطها بالورقة الرابحة للانتفاضة المسلحة”، بحجة أنه يجب أن تكون هناك أغلبية في مجلس التأسيسي وبالتالي يمكن تحقيق الاشتراكية بطريقة سلمية؛ وأضاف “الأزمة ناضجة… إن مستقبل الثورة الروسية، والثورة البروليتارية العالمية، على المحك. الانتظار جريمة … الانتفاضة مكتوبة على جدول الأعمال. كل تأخير يعني الموت. (لينينسكي سبورنيك 239 ، 290 ، 293.)” (CXXI7)

وبعشرة أصوات مقابل 2 أصوات من كامانييف وزينوفييف، الذين دعوا إلى “الأنتقال السلمي”، قررت اللجنة المركزية البلشفية “الاستيلاء على السلطة عن طريق أنتفاضة المسلحة” …

وهكذ، قمنا بتلخيص الشعارات والتكتيكات البلشفية لعام 1917 بين الثورتينمع الأحداث. بالطبع، بينما نلخص الشعارات والتكتيكات البلشفية ، فإننا نعرض أيضا تحريف سومر من خلال اختزاله إلى أرض الواقع.

أظن تمكنا من توضيح كيف أن “ألمانية لينين “، الذي كان عليه أن يخاطب “الألماني” من أجل خلق إمكانية التحدث ب “الفرنسية” ، تعرض لتفسير “لغة عصافير” من قبل السيد سومر. (كما هو معروف، في الأدب الماركسي، يتم استخدام التحدث باللغة الألمانية لإعداد التنظيم والذاتية، بينما يستخدم التحدث باللغة الفرنسية بمعنى الهجوم والإنتفاضة.)

-4-

ماركس وإنجلز ولينين وأخيراً ماو تسي تونغ …

بعد ماركس وإنكلس ولينين، الذين حاول سومر تحريفهم، تعرض ماو تسي تونغ لنفس التحريف في مقال سومر التمهيدي لـ”نظرية الثورة والديمقراطية الجديدة” في العدد 6 من مجلة’العمل’.

لكن تحريف ماو تسي تونغ، الذي عاش في فترة الأزمة الثالثة للرأسمالية، أصعب بكثير من تحريف ماركس وإنكلس، اللذين عاشا قبل الاحتكار. لأن ماو عمق فكرة ماركس – إنكلس – لينين من خلال تحليل التناقضات العامة لفترتي الثانية و الثالثة من أزمة الرأسمالية والتناقضات الخاصةبالصين، والتي هي انعكاس لتلك التناقضات في الصين، من خلال الاستفادة من التجربة الغنية للممارسة الملموسة لبلاده، وصاغ النظرية الماركسية للثورة بعبارة: “فقط بالبندقية يمكن تغيير العالم”.

حتى هذا التعبير البسيط “السلطة في فوهة البندقية أو فقط بالبندقية من الممكن تغيير العالم” عن “النظرية الماركسية-اللينينية للثورة”، والذي لا يمكن أن تشد لطرف آخر بما يقصدبقوله ، قد تعرض لتحريف سومر. قلم السيد سومر، الذي هو حقاً ساحر في تحريف، إنه يربط عبارة ماو تسي تونغ، الواضح جدا والذي يستحيل تحريفه ووفقا للماركسيين، له طابع عالمي، بالوضع الخاص للصين.” كانت الظروف الخاصة، لأنه خاصة جدا، لذا قال عنها ماو بهذا الشكل”. لكن ماو لم يقول إن الأمر يتعلق بالصين وحدها، وهو يذكر العالم على وجه التحديد. هل من الصعب على السيد سومر أن يضيف كلمة“الصين“صغيرة  إلى بداية “العالم”. وهكذا مع مساهمة السيد سومر في النظرية (!) إن قول ماو بأن “فقط بالبندقية من الممكن تغيير العالم ” يتحول إلى “في الصينفقط بالبندقية من الممكن تغيير العالم“.

“وفقا لماو، الصين ليست دولة ديمقراطية مستقل، بل دولة شبه مستعمرة وشبه إقطاعية تعيش تحت الاضطهاد الإقطاعي. كانت تفتقر في شؤونها الخارجية إلى الاستقلال الوطني، وكانت تحت نير الإمبريالية، لذلك لم يكن هناك في الصين برلمان يمكن استخدامه، ولا قانون يمنح العمال إمكانية النضال القانوني. كانت هذه خصائص الصينية هي التي حددت الشكل الرئيسي والمبدأ التنظيمي الرئيسي للنضال الثوري في الصين (…) لذلك سيكون من الخطأ الفادح رؤية عناصر تكتيك أو استراتيجية ذات صلاحية عالمية في كلمات ماو مثل “السلطة في فوهة البندقية” أو “فقط بالبندقية من الممكن تغيير العالم” ، والتي لها معنى فقط لهذه الخصائص. بهذا المعنى، “يمكن القول أنه في الصين لا يمكن تغيير العالم إلا بالبنادق”. (كنعان سومر، “نظرية الثورة والديمقراطية الجديدة”، مجلة العمل ، رقم: 6)

قبل أن ندخل في مساهمة ماو تسي تونغ في الماركسية، دعونا أولا نذكرمايلي:

 وفقا لسومر، نظرا لعدم وجود برلمان ولا قانون في الصين يسمح بالنضال القانوني، لجأ ماو إلى مثل هذا المسار لأنه لم يكن هناك بديل. لهذا السبب، فإن عبارة “السلطة في فوهة البندقية” ليس لها طابع عالمي.

أحد تفسيرات هذه الكلمات هو كما يلي؛ “لو كانت هناك إمكانيات العلنية في الصين، على سبيل المثال، البرلمان والقوانين، فقد تكون انتقال السلطة بمسار سلمي”. وبما أننا أظهرنا في مقالتنا الأخيرة، وفي الفصلين الثاني والثالث من هذا الكتاب، أن مثل هذا التفسير، وأن مثل هذا التفسير يتعارض مع العلم الماركسي، فلن يكون من الضروري الإسهاب هنا مرة أخرى في هذه المسألة الموضحة. ولكن بطريقة أخرى، من الضروري الخوض قليلا في هذا الكلام.

إذا دققنا نوعاً ما، نرى أن اقتباس سومر يحتوي على إنكار سري للنضال الثوري في أمريكا الجنوبية. منذ مائة وخمسين عاما، بلدان أمريكا الجنوبيةكانت مستقلة ظاهرياً. هناك أكثر من مائة مليون عامل، منهم ما يقارب من خمسة عشر مليون منظم في النقابات العمالية. في هذه البلدان، وخاصة في بعض منها، هناك قوانين وبرلمانات تمنح الثوار الفرصة لخوض نضال قانوني. (الديمقراطية الموجودة، طبعاً من النوع الفلبيني. لكننا نستنتج أن هذا النوع من الديمقراطية هو ما يعنيه الكاتب مجلة ’العمل’ بالديمقراطية ، والتي يقول “لو كانت في الصين”. لأنه في بلد لم يمر بالثورة الصناعية ويخضع لسيطرة الإمبريالية، لا يمكن أن توجد سوى “ديمقراطية من النوع الفلبيني”).

دعنا من الصين، لأن “الإمبريالية المسلحة” قد دخلت الصين. لهذا السبب، حمل الصينيون السلاح إجبارياً. ولكن لماذا يفضل ثوار أمريكا الجنوبية، الذين لديهم برلمانات وقوانين تسمح بالنضال القانوني، طريق الكفاح المسلح؟ على سبيل المثال، ما هو التحدي الذي يواجهه دوغلاس برافو في فنزويلا، التي لديها برلمان وقوانين تسمح للثوار بالنضال بشكل قانوني، وحيث يقوم حزب ماركسي بأعماله؟ لماذا يواصل فالكون الكفاح المسلح؟ حسنا ، كان بإمكانه القتال من أجل الاشتراكية بطريقة برلمانية. وفي يوم من الأيام يمكنه الحصول على 51٪ من الأصوات، والاستيلاء على السلطة ، ثم مواصلة النضال ضد الإمبريالية ، أليس كذلك، سيد سومر؟ هل تعتقدون أنهم يموتون بغباء العمال والفلاحين والطلاب وكريلا الذين استهدفهم رصاص أذناب الإمبريالية في فالكون?.. على أي حال…

هل كلمات ماو “السلطة في فوهة البندقية” أو “لا يمكن تغيير العالم إلا ببندقية” والنتيجة الطبيعية لذلك، “الحرب الشعبية”، تنطبق فقط على الصين؟ إجابة لين بياو واضحة ولا لبس فيها، “إن نظرية الحرب الشعبية لرفيق ماو تسي تونغ ليست مميزة للثورة الصينية فحسب، بل أيضا لعصرنا”.

عبر ماو تسي تونغ عن الأطروحة العالمية لللينينية بالكلمات التالية، وفقا لـ لين بياو، من خلال إجراء تحليل ديالكتيكي لتناقضات الرأسمالية الاحتكارية، التي على الفراش الموت والتي تتمسكبصناعة الحرب، والتناقضات الخاصة للصين، والتي هي انعكاس لهذه التناقضات العامة على الصين.

وفقا لماو، لم يكن هناك أي تغيير في جوهر الرأسمالية منذ لينين. واليوم، أصبحت الرأسمالية، التي خضعت لتغيرات كمية، في حالة على الفراش الموت خلال فترة الأزمة الثالث. ترى الرأسمالية العسكرتارية، “اقتصاد الحرب”، الذي هو السبيل الوحيد لبقائها في مواجهة الظروف المتغيرة (منذ لينين). اليوم، خفت حدة التناقضات بين الإمبرياليين وأصبحت قابلة للتوافق فيما بينها. وتولت الإمبريالية الأمريكية دور درك الكتلة الرأسمالية العالمية ضد الكتلة الأشتراكية والبلدان التي تناضل من أجل التحرر.

لذلك، “فقط بالبندقية يمكن تغيير العالم”، و”الرأسمالية، التي تشبثت بعسكرتارية، لا يمكن الإطاحة بها إلا بالعنف”، وفقاً لـماوتسي تونغ.

الإمبريالية، كما أشارإليها ماو على وجه التحديد، لا تدخل بلداً إلا بالسلاح بطريقة فجة. تستخدم الإمبريالية اليوم أساليب أكثر حكمة. خاصة من خلال العملاء، فإنها تحكم البلاد ببرلمانية رجعية، بحيث يمكنها بسهولة الحفاظ على آلية الاستغلال عن طريق إخفاء نفسها عن الجماهير المضطهدة .

بالنسبة للثوريين، من الأفضل أن تحتل الإمبريالية بلداً علناً، كما هو الحال في الصين، من الاحتلال السري.

 من وجهة النظر هذه، من الضروري تفسير كلمات ستالين، التي طرحها سومر من أجل البحث عن أساس لتحريفه. يقول ستالين: “الثورة المسلحة في الصين تحارب الثورة-المضادة المسلحة، وهذه إحدى خصائص ومزايا الثورة الصينية”.

هنا تكمن ميزة الثورة الصينية، لأن العدو مرئي ومفهوم  بشكل ملموس من قبل الشعب . هذا هو السبب في أن وعي الشعب وانضمامه إلى صفوف الثورة سريع جدا.

 لكن الأمبريالية اليوم، من أجل بقاء، تعلمت الدروس مهمة من الثورات الصين والفيتنام، تقومبإخفاء نفسها عن جماهير الشعب المضطهدة، ولم تعد تتدخل علناً في أي بلد لكي لا تعرض مصالحها للخطر.

وفقا للماركسيين المعاصرين،تجد النظرية الماركسية -اللينينية للثورة تعبيرا واضحا تماما في تصريح ماو بأن “السلطة في فوهة البندقية” أو أن “فقط  بالبندقية يمكن تغيير العالم”. وفقا لماو، هذه قاعدة عامة ولا تنطبق فقط على البلدان الواقعة تحت نير الإمبريالية، إنما على جميع البلدان التي توجد فيها الديكتاتورية البرجوازية.

«في بعض البلدان الرأسمالية، يسمح القانون بتشكيل الأحزاب الشيوعية، شريطة ألا تعرض المصالح الأساسية للبرجوازية للخطر. وبمجرد أن يتجاوزوا هذا الحد، لا يمكن أن يكونوا موجودين قانونياً”. (ماو تسي تونغ، النظرية والعملية، ص 80، المنشورات اليسارية)

-5-

كما ذكرنا منذ بداية مقالتنا، فإن “الطريقة الحرب أو السلام” ليست مسألة ماركسية. “إن معضلة الحرب أو السلام ليست مسألة ماركسيين، بل مسألة تحريفيين”.

 وفقا لأساتذة الماركسية، سواء في العمل البرلماني أم لا، فإن قوة الحزب الماركسي ترتفع فقط إلى نقطة معينة، وبعد ذلك يتم تجميد قوة الحزب. حتى الجماهير قد تبتعد عن الحزب بسبب ضعف الحزب. لذلك، إذا قلنا إن حزباً ماركسياً منخرطاً في العمل البرلماني لا يمكنه أبداً الحصول على أغلبية الأصوات، نظنلم نقم بتنبوء .

بما أن الماركسيين يعرفون هذه الحقيقة، فإنهم لا يفكرون في “انتقال سلمي”، “51٪ من الأصوات”، إلخ. بالنسبة للماركسيين، هناك شيء واحد مهم؛ هو ما إذا كان الظرف، أي في مجتمع معين، في لحظة معينة من التاريخ، علاقة الطبقات والقوى مواتية لهم أم لا.

من الضروري أن نتحدث قليلا عن هذا المفهوم، وهو أمر مهم للغاية في الأدب الماركسي، لأنه سيكون العقدة الأخيرة في حلقة-مناقشتناللمسألة.

 في ترجمة السيد سومر لكتاب “أين نجد المبادئ الماركسية” في العدد الخامس من مجلةالعمل، يذكر المفكر الماركسي الشهير لويس ألتوسير، مؤلف المقال، مدى أهمية هذا مفهوم لـ لينين بالنسبة للماركسيين.

ألتوسير. «وإذا أراد المرء أن يتتبع أعظم الأحداث النظرية التي وقعت من بعد ماركس وإنجلز، يجب عليه أن يبحث عنها في النصوص السياسية للينين بدلا من نصوصه النظرية. إن أعمق النتائج النظرية وأكثرها إثماراً لـ لينين موجودة قبل كل شيء في النصوص السياسية، أي في ما يشكل “ملخص” ممارسته السياسية. لإعطاء مثال واحد فقط، دعنا نقول؛ إن نصوص لينين السياسية (تحليلات الوضع والتغيرات في الوضع، والقرارات المتخذة ونتائجها…إلخ) تعطينا بإصرار مبهر مفهوما نظريا بالغ الأهمية، مفهوم “اللحظة الراهنة” أو “الظرف”. هذا المفهوم (أو المبدأ)، الذي أنتجه لينين من أجل توجيه نضال الحزب الماركسي في عمله، هو مبدأ ماركسي أساسي، ليس فقط للمادية التاريخية (…) ولكن أيضا للمادية الجدلية… لسوء الحظ ، يبقى هذا المبدأ عملياً دون النظر في إزالته من أعمال لينين السياسية.كان هناك كنز نظري مخبأ هناك، في أعمال لينين السياسية، لكن لم “يكتشف” أحد هذا الكنز وظل عقمياً».

يقول ألتوسير إن هذا المفهوم، كما رأينا، هو كنز دفين للماركسية-اللينينية.

 بالطبع ، أنت ، سيد سومر ، لم تفهم أي شيء من ترجمتكم هذا. لو أنك كنت فاهماً، كنت تدرك بأن تحريفاتك ستكون مفهومة، فستمتنع عن تفسير تكتيكات لينين وشعاراته بطريقة تقلل من لينين إلى مستوى دوهرينغ. لو كنت قد تساءلت عما يعنيه مفهوم “الظرف” هذا، لرأيت أن معضلة “الطريق السلمي والحربي” لا تنتمي إلى الماركسية.

إذا أردنا تلخيص بإيجاز، فإن مفهوم “الظرف السياسي” أو “اللحظة الحالية” يعني “الحالة الموضوعية لتوازن القوى بين الطبقات والقوى في مجتمع معين، في لحظة معينة من التاريخ”.

 دعونا نجعل هذا المفهوم ملموساً بمثال. مثلاً، المستوى الحالي للتنمية الاقتصادية (الظروف الموضوعية) لفرنسا ممكن لثورة بروليتارية. لكن بدون أزمة أسماها لينين بـ”الأزمة الثورية”، من المستحيل أن تحدث ثورة بروليتارية في هذا البلد. (يجب أن تكون الظروف الذاتية جاهزة). وحتى مايو 1968، لم تكن هناك بيئة مواتية للثورة البروليتارية في فرنسا. ولكن في مايو 1968، جلبت الحركات الطلابية العفوية التي طورها الفوضوي جون بينديت فجأة عشرة ملايين عامل إلى الشوارع. احتل العمال المصانع، وعلقوا الأعلام الحمراء…إلخ.

هذا هو مفهوم لينين الشهير عن “اللحظة الراهنة”.

 كما هو معروف، خلقت شرارة مفاجئة ظروفا ذاتية ودفعت فرنسا إلى حافة الثورة. لكن الحزب الماركسي الفرنسي وقف مستسلماً يشاهد هذا الوضع كما لو أن مثل هذه اللحظة لم تتكرر أبدا-في فترة قصيرة من الزمن-.

ونتيجة موقف مستسلم لحزب، تحولت آمال جماهير العمال الذين ثاروا واحتلوا المصانع إلى خيبة أمل، في حين تخلصت حكومة ديغول من الذعر الذي كانت فيه واستغلت خيبة أمل الجماهير هذه للسيطرة على الوضع.

هذا الموقف المستسلم، وفقا للأساتذة الماركسيين، هو في الواقع قناع للعجز والجبن العملية. كذلك، وفقا لأساتذة الماركسيين، فإن المعيار الأساسي الذي يفصل الثوريين عن الانتهازيين هو في نهاية المطاف في ما إذا كانوا يجرؤون على “القيامبثورة” و “التحرك” أم لا. لين بياو يوضح هذا بشكل صريح. “في التحليل النهائي، السؤال هو ما إذا كان تجرؤ على القيام بثورة أم لا. هذه الحقيقة هي حجر المحك الذي لا يخطأفي التمييز بين الثوريين والماركسيين -اللينينيين عن المزيفيين”.

-6-

كانت هذه المقالة من 5 أقسام. ولكن في غضون هذه الفترة، تم نشر العدد 7 من مجلة العمل. في مقالة “كيف يجب تعريف الثورة” من هذا العدد، يضع السيد سومر نوعيته الحقيقية تتجاوز قال-قيل، بشكل واضح لا غبار عليه.

 كلمات سومر في هذا المقال هي البراهين الأكثر كمالاً والتي لا جدال فيها على تحريفية سومر، والتي كنا ننتقدها منذ البداية.

 يعلن سومر صراحة عن تحريفه -حيث كان يحاول إخفائهفي البداية- دون أن يرى حتى الحاجة إلى إخفائه في هذا المقال.

من أجل توضيحها للقارئ، شعرنا بالحاجة إلى إضافة قسم جديد (6) إلى مقالتنا.

 السيد سومر؛ “إن فكرة القيام بالثورة الاشتراكية بطريقة سلمية تستند إلى الرأي القائل بأن الثورة السياسية هي شرط ضروري للاشتراكية، ولكن من الممكن لهذه الثورة أن تنجح بطريقة غير ثورية، سلمية “ديمقراطية” كما يقوله في العدد 7 من مجلةالعمل((كتابات عادية لنا).

 انتبه لكلمات السيد سومر!

“… لكن هذه الثورة تقوم على “الطريقة الديمقراطية” السلمية غير الثورية”

وكما يمكن حتى لأي شخص غريب عن المسألة أن يرى بوضوح، في هذا البيان، أنه يتم وضع مفهوم الديمقراطية كأنه مناقض وضد الثورة الاشتراكية.

 معنى مثل هذا البيان واضح:

أ‌) يتم قبول الثورة الاشتراكية كطريقة معادية للديمقراطية. ويتم تحديد الثورة بانقلاب عادي. كمسار ديمقراطي ، يوجه الاشتراكيون إلى البرلمان و 51 ٪ من الأصوات.

ب‌) جميع الثوريين البروليتاريين مثل لينين وستالين وماو تسي تونغ وهوشي منه وكياب ولين بياو وفيدل كاسترو وتشي غيفيرا وغيرهم يعتبرونهم كـ “مدبري انقلاب” وصلوا إلى السلطة بطريقة معادية للديمقراطية. (وفقا للبيان)

من أجل إنهاء المسألة، يجب علينا ، بموضوعية ، أن نذكر هنا وجهات نظر فكرتين متعارضتين (الفكر الماركسي اللينيني والفكر التحريفي) حول الثورة الاشتراكية.

 تقبل وجهة النظر الماركسية الثورة الاشتراكية كطريقة ديمقراطية حقيقية (7). لينين، منظر النظرية الماركسية اللينينية للثورة، يقول بوضوح أنه لا يمكن تصور الثورة دون دعم الشعب العامل، مشيرا إلى أنه من المستحيل الوصول إلى الاشتراكية بأي وسيلة أخرى غير الديمقراطية السياسية وأن الفوضويين هم الذين يعتقدون أن الاشتراكية يمكن تحقيقها من خلال مسار مختلف غير الديمقراطية السياسية.

وفقا للينين، الذي قال: “فقط من يؤمن بالشعب، ويدخل في النبع الحي لعبقرية الشعب الإبداعية، يمكنه أن ينجح”، فإن طريق الثورة الاشتراكية هو طريق ديمقراطي. ويعرف لينين طريق الثورة الاشتراكية بأنه تجسيد للإرادة المستقلة للجماهير، من خلال العلاقات ديمقراطية.

ولكن، وجهة النظر التحريفية ترىبأن طريق الثورة الاشتراكية هو مسار غير ديمقراطي. في الفكر التحريفي، تعتبر الأشكال القانونية والبرلمان ضروريين، والتي، حسب وجهة النظر الماركسية، ليست في الأساس سةى شكل من أشكال التعبير عن الإكراه البرجوازي. وبهذه الطريقة، التي يصفونها بالطريقة الديمقراطية، يدعو التحريفيون إلى الإنتقال إلى الاشتراكية بالأشكال القانونية البرجوازية الجديدة والبرلمانية.

الطريق السلمي = الطريق البرلماني = الطريقة الديمقراطية؛الطريقة غير السلمية = الطريقة الثورية = الطريقة المعادية للديمقراطية،من الواضح إلى أي جانب ينتمي السيد سومرالذي يقول إن (قياس البرلمانية البرجوازية).

لكن، عندما ننتقد تحريفية السيد سومر، فإننا لا ننتقد تحريفه، ننتقد محاولته لإظهار تحريفه من خلال تحريف أعمال لينين وماو.

 يستخدم التحريفيون دائما طريقة التحريف هذه. يستخدمون هذه الطريقة بطرباسلوبعجيب للغاية. من ناحية، يحرفون النصوص الأساسية للماركسية، ومن ناحية أخرى، يدينون التحريفيين المشهورين، الذين تم تسجيل تحريفهم بوضوح، باعتبارهم “تحريفيين”،لكن يدافعون عن نفس الفكرة التحريفية.

يستخدم سومر أيضاً هذه الطريقة الكلاسيكية.

يختتم هذا الفصل من كلمات تعلن أن الثورة الاشتراكية (الثورة) هي الطريقة المعادية-للديمقراطية، وتستاء بعنف من تحريفية برنشتاين، ثم يتوجهنحو كاوتسكي،  الذي انتقد برنشتاين بأقسى العبارات، لكنه في النهاية قال نفس الكلمات، مشيرا إلى أن “الاندماج السلمي للرأسمالية في الاشتراكية هو الانتهازية” وينهي هذا المقال بجملة التالية “في الواقع الفرق الرئيسي بين الاشتراكيين الثوريين والانتهازيين هو موقفهم من الثورة السياسية” السيد سومر.

لذلك في شرح كاوتسكي، بنفس الوقت يشرح تكتيكتهالسيد سومر. كما هو معروف، وجه كاوتسكي انتقادات حادة ضد الفوضوية والتحريفية. لكن في النهاية، لم يقدم شيئا سوى دفاع ذكي عن التحريفية، وحاول بمهارة شديدة تبديد “النظرية الماركسية الثورية” بالتحريفية.

طريقة كاوتسكي واضحة؛ إن “سرد كاوتسكي”، الذي يفسر بناء الماركسية بشكل متسق وصولا إلى الأساس، يتغير فجأة عندما يتعلق الأمر بتحليل الأساس، يترك اللغة الماركسية الثورية ويتحولإلىلغةالعصفورالتحريفية. ويرتفع المبنى على الأساس التحريفي في طريقة كاوتسكي. (بالطبع، كل هذه الكلمات تدور حول فترة كاوتسكي الانتهازية).

وبعد نصف قرن من كاوتسكي، يخرجمبتدئ كاوتسكي على المسرح. من خلال الافتراضات الصحيحة القائلة بأن “برنشتاين وكاوتسكي قد خانا الماركسية”، “الاندماج السلمي للاشتراكية مع الرأسمالية هو الانتهازية”، “في الواقع الفرق الأساسي بين الاشتراكيين الثوريين والانتهازيين هو موقفهم من الثورة السياسية” تصف المبنى بلغة ثورية. ومن خلال إعلان  سومر أن “الثورة الاشتراكية مسار غير ديمقراطي” يضع هذا المبنى على أسس التحريفية.

أخيراً، أخرجت مجلة  العمل البقلاوة من فمها. إذن لماذا نشر معضلة “طريقة الحربية- السلمية” لمدة شهرين والتي لم تكن تعني شيئا للماركسية من خلال تحريف الأعمال الأساسية للماركسية؟

اتضح أن لفصيل ’العمل’ كان لديه عريضة.

ماهير جيان

19أب1969

ملاحظات:

نشر هذا المقال لأول مرة في 19 أب 1969 في العدد 92 من مجلة اليسار التركي.

(1) “الدولة والثورة”، ص 158، لينين-منشورات العلم والأشتراكية.

(2) “دروس أكتوبر”  ص. 56 ، تروتسكي ، منشورات سير ، (كتبنا الحرف الكبير).

(3) “دروس أكتوبر” ، ص. 40 ، تروتسكي ، منشورات السر، (كتبنا الأحرف الكبيرة).

(4) “لينين، حياته وأعماله”، هنري لوفيفر، منشورات الأناضول

(5) ستالين، “سلاحه الاشتراكية” إسحاق دويتشر، ص 233.

(6) “لينين، حياته وأعماله”، هنري لوفيفر، ص 124، منشورات.

(7) نستخدم هنا “الديمقراطية”، وهي مفهوم للمجتمع الطبقي، باعتبارها “التجسيد الحر لإرادة الشعب العامل”.


ترجمة من تركي ألى عربي محمد كمال

image_pdf
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.