موقع اممي ثوري ثقافي مناهض للامبريالية ومناصر لقضايا الشعوب حول العالم.

إعلان ترامب وتصعيد بومبيو وواقع الشرق الأوسط

242
image_pdf

إن إعلان ترامب باعتراف الولايات المتحدة الاميركية بالسيادة الاسرائيلية على الجولان هو لا شك انتهاك للقانون الدولي وشرعنة للاحتلال، ويشبه من الناحية الحقوقية وعد بلفور، الذي أعلن أن حكومة جلالة الملكة تنظر بعين العطف الى اقامة وطن قومي يهودي في فلسطين. وقد قيل فيه: وعد من لا يملك الى من لا يستحق.

ووعد بلفور وقتها، برغم كون بريطانيا دولة منتصرة في الحرب العالمية الأولى، لم يكن له قيمة قانونية لو لم يثبت في وثائق مؤتمر فرساي بعد الجهد الصهيوني واتفاقية فيصل وايزمان وخديعة اليهود للعالم بأن العرب راضين بمضمون الوعد.

فهل هناك مجال اليوم لتثبيت “وعد ترامب” من خلال رضى عربي، في ظل التقارب العربي الاسرائيلي وفكرة الناتو العربي التي يقودها بومبيو؟

شبكة السي ان ان اصدرت تعليقاً أن رد الفعل العربي، الشعبي والرسمي، على اعلان ترامب كان خجولا وخافتاً. فزيارة بومبيو الى بيروت بعد يوم واحد على الاعلان لم تواجه برفض كبير. والدول العربية كل مشغول بمشاكله المحلية. والسوريون ايضاً مشغولون بلملمة اجزائهم بعد حرب مدمرة لعدة سنوات. والفلسطينيون اصلا فقدوا الامل من ترامب بعد قراراته السابقة بنقل السفارة الى القدس والاعتراف بها عاصمة لاسرائيل، وبعد قطع التمويل عن الاونروا، وبعد ما بدأ يصلهم من ملامح صفقة القرن التي تهدف الى تصفية المسالة الفلسطينية ودمج اسرائيل في جزء من المنطقة العربية على الاقل، من ضمن ما يخطط من تحالف ومشاريع حول البحر الاحمر…

وقد علق بعض النقاد والصحفيون الاميركان، المعترضون على بعض سياسات ترامب، أن هذا الاعلان ما هو سوى دعم لحملة نتنياهو الانتخابية، ولا قيمة له من ناحية القانون الدولي. واضافوا أن الاسرائيليين حتى، وليس فقط السوريين والعرب، لم يبالوا كثيراً لهذا الاعلان، ولا بتصريح بومبيو بأن الله قد يكون أرسل ترامب لتخليص اليهود من الايرانيين! وأن فائدة هذا الاعلان المباشرة هي دعم نتنياهو في تجاوز فضائح الفساد والفوز بالانتخابات القادمة، مع أن بومبيو صرح بأنه لا يريد أن يؤثر على قرار اليهود في اختيار رئيس حكومتهم القادم!

لكن ما يتخوف منه الكثيرون في الغرب، هو أن هذا الاعلان الترامبي الجديد، والمقصود منه دعم نتنياهو، سيشكل دعماً غير مباشر لمشروعية المحور المقابل، الذي يضم الشام وحلفائها، بمن فيهم ايران وحزب الله، بالحديث عن ضرورة المقاومة في الجولان، ويكون بذلك فتح على نتنياهو وكيان العدو باباً تأتي منه رياح غير مستحبة. ويربطون ذلك بسياسة بومبيو وتصريحاته النارية خلال زيارته الى بيروت، وهجومه على حزب الله، الى حد تكرار اسم حزب الله لواحد وعشرين مرة في تصريح مكتوب لمدة 8 دقائق. مما دفع المراقبين الى التساؤل هل هكذا تصريح يضر حزب الله أم يفيده؟

فوزير خارجية اقوى دولة في العالم، بدى مسكوناً بهاجس حزب الله بشكل يثبت الاعتراف بالحزب كقوة اقليمية تقلق اميركا وحلفاءها وتقض مضاجعهم، وليس في اليد حيلة لمواجهته الا وضع الشعب اللبناني أمام خيارين: إما تواجهون حزب الله داخلياً واما أنكم لستم معنا.

وكنا قد ذكرنا سابقاً في عدة مقالات، أن منطقتنا يتشكل فيها اليوم محوران، واحد قوامه تحالف دول حوض البحر الاحمر بما في ذلك اسرائيل، وآخر قوامه سورية والعراق وايران، وأن لبنان والاردن هي مناطق مشتركة، يقوم كل طرف بمحاولة تكبير حجم نفوذه فيها، من ضمن ترسيم قواعد اشتباك جديدة بين المحورين للمرحلة القادمة.

وقد هيأت الولايات المتحدة لزيارة بومبيو وتصريحاته العالية النبرة والسقوف العليا التي تتمنى اميركا الحصول عليها في لبنان قبل أن يخفضها التفاوض وتروتشها التسويات وتلجمها “الواقعية اللبنانية”، فقدمت دعماً غير مسبوق للبنان، وصلت قيمته الى 800 مليون دولار حسب ما أعلن فجأة خلال الزيارة. ويعتبر هذا السخاء استثماراً أميركياً في ترسيخ النفوذ مقابل الوجود القوي للمحور الآخر المتمثل بحزب الله وحلفائه. والاميركي يحسب رئيس الجمهورية أقرب الى المحور الآخر، والقوات والمستقبل من حصته، برغم محاولات رئيس الحكومة التنصل من اية متطلبات لمواجهة داخلية مع حزب الله. والملفت أن وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر قد انتهج منذ فترة سياسة وسطية تقوم على الانفتاح على الجميع والتسويق للتعددية اللبنانية والقدرة على التحاور مع المحورين، في محاولة منه للتملص من محاولة كل محور لاجتذابه نحوه… كما كان ملفتاً موقف رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي يتموضع بدقة بين المحورين، فيحافظ على علاقات جيدة مع المحور الأميركي، لكنه يتحصن بانتقاده للانحياز الاميركي لاسرائيل حتى يبقي علاقاته متينة مع حزب الله…

من هنا فإن الارضية اللبنانية غير صالحة للبناء على سقوف بومبيو العالية… فتبقى سقوفا لتحسين شروط التفاوض، لأنه غير قادر على تطبيق سياسة من ليس معنا فهو ضدنا، دون أن يخسر حماس كل من يحاول التموضع في الوسط. أما اعلان ترامب فتبقى مفاعيله رهن لما ستقدم عليه المنطقة من تفاوض او تصعيد او تسويات.

 

المصدر : بقلم د.ميلاد سبعلي

image_pdf
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.