أردوغان ” ديكتاتورية وسياسات خاطئة وفساد عائلي ” الجزء الثالث
مع انطلاقة الحراك الشعبي في منطقة الشرق الأوسط، رأى رجب طيب أردوغان أن بإمكانه تطبيق أحلامه في استعادة أمجاد السلطنة العثمانية، عبر دعم الإخوان المسلمين وداعش والقاعدة وتنصيب نفسه خليفةً للمسلمين. ومع تقديمه لموعد الانتخابات يحاول أردوغان التغطية على فشل مشروعه في السيطرة على البلدان العربية.
تدخل في شؤون دول الجوار وأحلام باستعادة أمجاد السلطنة
استفاد أردوغان من الربيع العربي عبر دعم الإخوان المسلمين في مصر وتونس ودعم مجموعات القاعدة في ليبيا، ودعم داعش وجبهة النصرة في سوريا، كما تدخل في السودان والعراق، وكل هذه التدخلات الخارجية من قبل نظام رجب طيب أردوغان أرهقت تركيا وشعبها، ما تسبب بانقسام المجتمع وزيادة المخالفين لأردوغان، ومع عودة تبعات هذه التدخلات بشكل عكسي على أردوغان قرر الأخير إجراء انتخابات مبكرة ليحافظ على كرسيه ويستطيع الاستمرار بسياساته دون أن يعترضه أحد، وهذا ما يفسر التعديلات التي أجراءها على الدستور وتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي.
التدخل التركي في سوريا
منذ انطلاق الثورة السورية في آذار 2011 سعى رجب طيب أردوغان حينما كان رئيساً للوزراء للسيطرة على سوريا باعتبارها البوابة إلى الدول العربية، فأطلق التصريحات المعادية للنظام السوري وادعى بأن السوريين اخوته، وقدم الدعم العسكري المفتوح للمجموعات المسلحة بينها جبهة النصرة وداعش، كما أنشأ بعض المجموعات التابعة مباشرة للميت التركي “الاستخبارات” وذلك من أجل تنفيذ أجنداته في سوريا.
وفي سبيل الوصول إلى مبتغاه كان أردوغان على استعداد لفعل أي شيء دون أن يكون من حق أحد أن يسأله ماذا يفعل. ولكن تطورات الثورة السورية كشفت أن الموقف التركي من الثورة السورية لا ينبعث من أي وازع أخلاقي أو قيمي فهو عكس ما يعتقد الكثير من السوريين براغماتي بحت يسعى لتحقيق المصلحة التركية حتى لو اضطر في سبيل ذلك للرقص على دماء المدنيين كما حدث في حلب.
ووفقاً لدراسة صادرة عن المركز الديمقراطي العربي بعنوان “السياسة التركية حيال الأزمة السورية “2011 ـ 2017” فإن أسباب عدة وقفت وراء اندفاع تركيا لتقديم دعم وفير للمجموعات المسلحة والإرهابية في سوريا، أهم هذه الأسباب هي الرغبة في الحصول على موقع القوة الإقليمية الرائدة بشكل سريع، حيث كانت تركيا تسير في إطار السياسة الناعمة المرتكزة على عنصر التكامل الاقتصادي، ومن ثم التشابك الاجتماعي والثقافي والتعليمي، للوصول إلى التوافق السياسي، إلا أنها ظنت، مع انطلاق الثورة السورية، أنها قد تستطيع من خلال إسقاط النظام السوري كسب نفوذ أوسع وعملية ترويج أفضل وأسرع لمشروعها في الحصول على موقع القوة الإقليمية الرائدة.
كما سعت تركيا للاستفادة من الدعم الخارجي لثورات ربيع الشعوب وتأييد الولايات المتحدة لهذه الثورات، وهو ما شجع الدبلوماسية التركية لمسايرة الرغبة الخارجية في إطار سياسة “كسب المواقف” التي ستعود عليها بالفائدة السياسية والدبلوماسية الهائلة.
كما كانت لتركيا حسابات سياسية أخرى من خلال التدخل في الشأن السوري وذلك لمواجهة إيران وروسيا، حيث تعتبر الأولى المنافس الإقليمي التاريخي الأول لها على صعيد منطقة الشرق الأوسط، أما الثانية فهي منافسها التاريخي الأول على صعيد منطقتي البلقان وآسيا الوسطى، وتمدد نفوذ هاتين الدولتين في سوريا، يقلص من نفوذ أنقرة ويبدده، وهو ما جعلها ترى من الثورة السورية فرصة للقضاء على نفوذ المنافسين التاريخيين لها.
وتركيا التي لم تغب عن المشهد السوري منذ بداية الحراك الثوري في آذار 2011، تباينت مواقفها، ومواقعها، وأدوارها، خلال تلك السنوات بصورة لم تحدث من قبل، فالتقلبات في الموقف التركي بشأن سوريا يصعب فهمها في سياق منطقي واحد سوى معاداة الكرد والاستعداد لفعل أي شيء والتنازل عن كل شيء للقضاء على الكرد أو أي مشروع يشاركون فيه يحدد مستقبل سوريا.
ومنذ بداية الثورة، فإن أردوغان كان في نظر الجماعات المسلحة في سوريا وحتى داعش وجبهة النصرة “يمثل الرئة التي يتنفسون منها”، إذ فتح حدود بلاده مع سوريا على مصراعيها أمام عناصر القاعدة وداعش الأجانب، وقدم دعماً لوجستيا وعسكرياً كبيران لهم.
ومثلت محاولة الانقلاب العسكري في تركيا نقطة تحول فارقة في سياسة أردوغان تجاه الأزمة السورية، إذ تباينت مواقف أردوغان تماماً من الأزمة السورية وتحولت قبلته باتجاه البيت الأحمر حيث يرتع الدب الروسي الماكر فلاديمير بوتين السبب الرئيسي في بقاء النظام السوري.
أردوغان الذي ما زال يرفع شعارات محاربة النظام السوري والدعوة إلى إسقاطه، إلا أن قواته تنسق على الأرض مع كل من موسكو وطهران حليفتي النظام، بحيث صار ممكناً الحديث عن «ترويكا» إيرانية – روسية – تركية لتقاسم الأشلاء السورية، وانتزاع ما أمكن منها، كلٌّ لحساباته ومصالحه الخاصة، وهكذا تحول خطاب أردوغان من شعبوي يخاطب السوريين عن الثورة إلى أمني يتحدث عن مواجهة وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية. وهكذا، فيما تمت عمليات التهجير في الغوطة الشرقية، التي كان يفترض أن تكون مشمولة باتفاق «مناطق خفض التصعيد»، جرت في الوقت ذاته عمليات تهجير مماثلة من عفرين ومحيطها تحت وقع القصف التركي.
والغريب في الأمر أن وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية التي يتهمها أردوغان بـ “الإرهاب”، تمثل رأس حربة التحالف الدولي ضد داعش، كما أن عفرين التي شن أردوغان عدواناً عليها كانت قبل العدوان ملجأ لكل الهاربين من الحرب السورية، من مختلف الأديان والأعراق.
التدخل التركي في العراق
إن التدخل التركي في الشؤون العراقية ليس وليد اللحظة بل إن الأنظمة التركية المتعاقبة ونتيجة معاداتها للكرد تسعى بشتى الوسائل لتوجيه الضربات لأي إرادة كردية تظهر، وفي العراق أيضاً تسعى السلطات التركية توجيه الضربة لإقليم جنوب كردستان الفدرالي في العراق، فمنذ عام 1994 بدأ التدخل التركي في العراق، ومع الوصول إلى عام 2015، بلغ عدد القواعد العسكرية التركية في جنوب كردستان، 18 قاعدة عسكرية يتواجد فيها آلاف الجنود الأتراك.
نظام رجب طيب أردوغان، على الرغم من ادعاءه بصداقته للكرد، إلا أنه يستهدف وجودهم في كل مكان وليس في سوريا فقط، وهذا ما يفسر معارضة أردوغان للاستفتاء الذي أجراه رئيس الإقليم مسعود البارزاني في أيلول 2017 ووقوفه مع إيران ضد هذا الاستفتاء.
ويبرر أردوغان تدخله في الموصل (قاعدة بعشيقة) بمعاهدة قديمة كانت قد أُبرمت بين تركيا وبريطانيا سنة 1926، والتي نظمت العلاقة بين تركيا والحكومة العراقية (المدعومة من بريطانيا حينها)، إذ يرى أردوغان في الموصل ولاية تركية خسرتها نتيجة الأوضاع بداية القرن العشرين ويجب ضمها حتى لو كان ذلك بالقوة.
ويستند أردوغان في تدخله بدول الجوار على مقولة أتاتورك لمؤسسات الميثاق الوطني سنة 1920 (حدود أمتنا، من جنوب خليج الإسكندرونة، من أنطاكية، وجنوب جسر جرابلس ومحطة سكة الحديد وجنوب حلب ثم تسير جنوباً مع نهر الفرات حتى تضم دير الزور ثم تتجه شرقاً لتضم الموصل، وكركوك والسليمانية).
ويتبع أردوغان سياسة مبنية على التزاوج ما بين الصفة العلمانية المقرة دستورياً ومحكومة بمبادئ كمالية أتاتوركية وبين النزعة الدينية التي تحكم الدولة التركية من خلال حزب العدالة والتنمية ذو التوجهات الإسلامية, من أجل تحقيق مصالحه، وهذا ما دفعه للتدخل في بعشيقة وإقامة قواعد لتدريب ما يسمى بـ “الحشد الوطني” بقيادة أثيل النجيفي محافظ نينوى السابق، ودعم هذه المجموعة تسليحاً وتدريباً بحجة محاربة داعش، لكن في الأساس هدفه ضمان المصالح التركية في العراق وذلك بحجة حماية الأقليات خصوصاً التركمانية وعدم إحداث تغيير ديموغرافي في البلاد.
وأهم ما تسعى إليه تركيا أردوغان هو لعب دور مركزي في شؤون الشرق الأوسط وهي تنظر لها كمنطقة نفوذ سابقة لها وذلك من خلال مشروع تركيا الجديدة الذي طرحه أردوغان ومن عدة جهات وهي أن تتصالح تركيا مع ذاتها ذات النزعة الإسلامية السنية مع الاعتزاز بالماضي العثماني, والتخلص من عقدة النقص تجاه الآخرين، أما التوجه الثالث فيكون بانفتاحها نحو الغرب وتعميق الصلات معه وتنفيذ سياساته في المحيط الإسلامي مستغلةً بذلك عضويتها في حلف الناتو.
دعم الإرهابيين في ليبيا
لا يبدو أن شيئاً تغير في سلوك تركيا تجاه الأزمة الليبية منذ اندلاع الاحتجاجات في 15 شباط (فبراير) 2011، للتخلص من حكم القذافي. فقد تعززت الاتهامات الموجهة إلى أنقرة بدعم الإرهاب في ليبيا، بعد ضبط السلطات اليونانية السفينة التركية «أندروميدا»، وعلى متنها 29 حاوية من مواد تستخدم في القنابل والمتفجرات. وكانت في طريقها نحو ميناء مدينة مصراتة (غرب ليبيا). ورغم نفي تركيا هذا الفعل، وترويجها أن السفينة «أندروميدا» كانت متجهة إلى إثيوبيا إلا أن سلطات ميناء «بيرايوس» اليوناني، أعلنت عن اعتراف طاقم السفينة، بأن وجهتهم كانت مصراتة الليبية.
وتأتي عملية إرسال الأسلحة، في إطار ثوابت السياسة التركية تجاه الأزمة الليبية التي تقوم على دعم الإرهابيين في الغرب الليبي. ومنذ سقوط نظام معمر القذافي، تُقدم تركيا دعماً لتيار الإسلام السياسي في ليبيا الممثّل بالأساس في «حزب العدالة والبناء»، الذراع السياسية لتنظيم جماعة «الإخوان المسلمين» في ليبيا،، وظهر ذلك في رفض أردوغان الاعتراف بالبرلمان الليبي الذي تم انتخابه عام 2014، ورفض التئامه في مدينة طبرق.
التدخل في جزيرة سواكن السودانية
جزيرة سواكن السودانية كانت محتلةً من قبل العثمانيين، حيث كانت تحظى بمكانة هامة في عهد الدولة العثمانية، واتخذها العثمانيون مركزاً لتجارتهم ولقواتهم البحرية في البحر الأحمر، كما أنها كانت تضم مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي 1821 – 1885.
وفي إطار سعيه لاستعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية والنظر إلى الدول العربية على أنها أجزاء تابعة لتركيا، تدخل أردوغان في السودان وقال بأنه سيعمل على تأهيل الجزيرة.
والهدف الأخطر من هذه الخطوة هو تحويل تركيا، جزيرة سواكن إلى منطقة عسكرية تستطيع منها تركيا الضغط على السعودية والاستفادة من الدعم القطري في ظل الخلافات التي تشهدها الدول الخليجية، كما أن تلك الجزيرة مطلة على سواحل اليمن المتاخمة للسواحل السعودية، حيث تهدف تركيا إلى لعب دور في الاقتتال اليمني، لترسم بذلك حدود الدولة العثمانية المزعومة.
وإلى جانب هذه الأهداف، تسعى تركيا إلى إخراج عجزها التجاري والصناعي إلى الخارج من خلال عقد علاقات واتفاقيات على حساب الشعب في تركيا لتظهر نفسها أنها مقصد للتجارة ولديها اقتصاد قوي، وكل هذا للتستر على الأزمة السياسية التي تعيشها تركيا من الداخل.
وما يفسر عجز تركيا التجاري هو عقد تسع صفقات مع السودان على أن يتم بعضها في جزيرة سواكن ومنها إقامة مشاريع زراعية وصناعية، ومسالخ لتصدير اللحوم ومصانع للحديد والصلب، إضافة إلى بناء مطار في الخرطوم، والهدف الكامن وراء هذه المشاريع هو احتلال تلك المنطقة لتكون قادرة على الاتصال بالمناطق الأفريقية وتتخذ من نفسها صاحبة الكلمة في تلك المنطقة كونها تتوسط العرب والأفارقة.
تدهور العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوربي
منذ تشكيل تركيا الحديثة، سعت الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية للترويج إلى نظامها في منطقة الشرق الأوسط عبر تركيا، إذ كانت هذه الأطراف تسعى لإخضاع الشرق الأوسط وجره إلى سياسة الإسلام المعتدل والترويج للنموذج التركي في البلدان المجاورة لفتح الطريق أمام تدفق حركة رأس المال العالمي والعولمة.
وهذا الأمر كان مطلوباً من أردوغان، إلا أن دعم أردوغان لداعش وجبهة النصرة وغيرها من مجموعات القاعدة، إلى جانب استغلال أردوغان لورقة النازحين من أجل ابتزاز أوروبا، وكذلك قمع الحريات داخل تركيا واعتقال الساسة والصحفيين، جعل الاتحاد الأوروبي ينظر بعين الريبة لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وهذا ما أدى لتدهور العلاقات بين الطرفين.
وتدهورت هذه العلاقات بشكل أكبر في 2017، مع صدور قرار بالبرلمان الأوروبي ودعوة بعض الدول الأعضاء إلى تعليق عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد بسبب السجل الحقوقي المتدهور في البلاد. كما رفضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تعتبر الأقرب إلى أردوغان، زيادة التعاون الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا عبر تبني اتحاد جمركي جديد في السياق السياسي الحالي. كما قرر مجلس الوزراء الألماني في حزيران 2017 نقل قواتها العسكرية من قاعدة جوية في تركيا إلى أخرى في الأردن.
وبطبيعة الحال، فإن سياسات التدخل التركي في شؤون دول الجوار ودعم مجموعات القاعدة وداعش وجبهة النصرة، وكذلك توتر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا، زاد الضغوط على نظام أردوغان وجعله في عزلة وأثر على اقتصاد بلاده، ما دفع أردوغان لإعلان إجراء انتخابات مبكرة كي يتخلص من هذه الضغوط التي تؤثر مع مرور الزمن على شعبيته وبالتالي إمكانية خسارة حزبه للانتخابات لو أجريت في موعدها المحدد في تشرين الثاني 2019.
المصدر : هاوار