أسطورة ” أيوب ” السومري
لا يقصد بالاسطورة الخيال او الخرافة و انما هي في السياق العلمي تعني “قصة مقدسة” أو “قصة تقليدية” أو “قصة عن الآلهة”، لكنها لا تعني “قصة مكذوبة” ، كما يجدر الاخذ بعين الاعتبار التداخل في السمات و الصفات بين الدين و الميثولوجيا.
هناك نصين يذكران قصة ايوب الاول سومري دون في الالف الثاني قبل الميلاد وافترض كريمر ان جذوره تعود للالف الثالث والنص الثاني بابلي دون في العصر الكاشي يرويان انه كان رجلاً غنياً حكيماً وعادلًا، يعيش في سعادة وسط عائلته الكبيرة وأصدقائه الكثيرين، وفجأة حلَّت به الكوارث من أمراض و آلام و أهوال وغيرها، ومع كل هذا ظلَّ مُتمسِّكًا بإلهه ، وارتضى الوضع وصَبَر عليه، وهو لا يكف عن التضرع بدموع وأنين شديد للآلهة لتزيح عنه هذه الغمة، فتأثّر الإله ورأف بحاله، وأعاد له صحته. اللوحة الأولى من هذه الأسطورة بدأت بتسبيح من قبل المعذب لمردوخ وذكر لقوته وصفاته .
أريد أن أسبح بحمد الله الحكيم العليم
الذي ينير الليل ولكن ينشر النهار بعيداً
مردوخ سيد الحكمة الإله العليم
الذي ينير الليل وينشر النهار بعيداً
إنه كالزوبعة يغلف غضبه كل شيء
ولكن نفسه يبقى خيراً كريح الصبا
هو الذي لا تطيق السماوات صدمة يديه
وبث المعذب في هذه اللوحة أيضاً تخلي الآلهة عنه وفقدانه لثروته ومركزه الاجتماعي وصحته والثقة التي كانت له عند الملك كما وفقد هذا المعذب احترام الآخرين له دون ذنب اقترفه إلاّ صلاحه وتقواه .
رجولتي انتهكت مظهر الخارجي عتم
صحتي الجميلة ذهبت وكل حماية لي اختفت دفعة واحدة
مثل إشارات مخيفة تبدت لي
فخرجت من بيتي وفي الخارج رحت أتسكع
وعندما استطلعت مستقبلي وجدته عكراً والأيام كلها مشتعلة
ويسرد لنا المعذب كيف تجمع عليه موظفو القصر وتكاتفوا من أجل ازدياد بؤسه وشقائه وابتعدت عنه عائلته وصديقاته وأصدقائه ، وخدامه وعبيده :
أحسن صديق لي ، يرغب في أن يختصر حياتي
وفي العلانية ، وفي ديوان القضاء ، عبدي لعنني
خادمتي أمام الجمهور عيرتني
وعندما تمر بي إحدى صديقاتي كانت تنحو بعيداً عني
عائلتي لم تعد تعتبرني أحد أعضائها
وفي اللوحة الثانية يزداد الشقاء عليه وبدأت ودون سبب فسيولوجي الأمراض تتهاوى عليه :
فأخذت أحشائي تضطرب وأعضائي
وباستخراج لعابي ، التهبت رئتاي
فانتابت الحمى أعضائي وبدأت أرتعش
قوامي العالي هدموه كما يهدم الجدار
ورغم منكبي العريضين أصبحت كالقعيد يسطحوني
أنا مسترخ كعشبة ملواة ووجهي منكب على الأرض
وفي اللوحة الثالثة يمر المعذب البابلي شوبشي – يشري – شاقان بثلاثة أحلام فيها يدرك أن الرحمة عادت إليه وأن سقمه ومرضه وآهاته ستذهب وأن مردوخ تقبل توسلاته وأظهر عطفه :
وبعد أن سكنت روح مردوخ الرؤوف
وتقبل توسلاتي وصلواتي
وأظهر نحوي تراجعه العطوف
وتلفظ بالعفو عني أنا الذي تألمت هكذا
فك عقدة خطاياي التي ارتكبتها وأبعد عني العقوبات الإلهية
التي قاسيتها سامحني على التجاوزات التي اقترفتها
وجعل الهواء يحمل معه كل إهمالاتي
وفي اللوحة الرابعة يعود إلى تمجيد مردوخ من جديد القادر على ان يعيد الإنسان من على فراش الموت وزرباناتو زوجة مردوخ يمكنها أن تنقذه من الكارثة:
مردوخ يستطيع أن يقيم من القبر
زرباناتو يمكنها الإنقاذ من الكارثة
هذا بعض مما احتوته أسطورة المعذب البابلي شوبشي يشري شاقان هذا الصالح الذي عوقب في كل شيء لكن بصبره وأناته تمكن من أن يحصل على رحمة مردوخ وبثلاثة أحلام متعاقبة أنبأ بمغادرة السقم . أما إذا أردنا أن نبحث عن ما ارتحل من النص الرافديني إلى نص التوراة فإن ذات التفاصيل قد رحلت فمن حياة الترف والغنى والصحة والمناصب الرفيعة إلى حياة الفقر المدقع والمرض والعوز والابتعاد من الأهل والأصحاب وتحول الفراش إلى سقم فساعة يأوي إليه يتمنى حضور الصباح ولحظة الصباح يتمنى لحظة المساء ، جلد متهرئ مليء بالجروح والقروح ، وبعد هذا كله فإنه متسائلاً عن مدى العدل الإلهي في ما يحصل فيه ، وبين هذه تظهر بارقة الأمل ويعود كل شيء إلى ما كان عليه بل وأكثر صحة ومال وجاه إلى غيرها .
المصدر : الباحث والآثاري الأستاذ أحمد لفته