حسين جواهير: حول الثورة الكوبية

حول الثورة الكوبية (*)

الجماهير، الثورة الكوبية والانتهازية الجديدة

إن تراكم حركتنا الاشتراكية التي لها تاريخ يمتد إلى نصف قرن، ظهر فجأة في جو الحرية المحدودة الذي أحدثه 27 مايو/أيار. (بمناسبة الانتخابات البرلمانية عام 1965، جمع TİP (حزب العمال التركي) 50 ألف شخص في تقسيم. لم يكن هذا كما يفترض بعض الناس نتيجة لخطابَين في الميدان أو مجموعة من القصص المكتوبة في زوايا بعض الصحف).

لكن زمرة أيبار-آرن الانتهازية التابعة لحزب TİP صرفت هذه الإمكانات بشكل مفرط. (في واقع الأمر؛ في المسيرات التي نظمها حزب العمال التركي بنفس المكان خلال عامي 1966 و1967 لم يستطع أن يجمع سوى من ثمانية إلى عشرة آلاف شخص). لقد فقد TİP الذي ظهر في البداية كمنارة أمل للمضطهَدين، هذه الخاصية في أيدي الإداريين الانتهازيين ولعبت الاشتراكية ضمن الحدود التي رسمتها الإمبريالية. لقد تبنى مهمة أن يكون الطابور الخامس للإمبريالية داخل حركتنا الثورية.

اليوم؛ تتطور حركتنا الثورية بسرعة، تاركةً وراءها الإداريين الانتهازيين لـ TİP، وتقيم علاقات عضوية مع الجماهير. الآن الحركة البروليتارية-الثورية اكتسبت الشرعية في نظر الجماهير التي هي في طريقها إلى تقديم الدعم النشط. في اسطنبول، قامت جماهير تضم أكثر من مائة ألف شخص بأكبر حركة عمالية وأكثرها وعياً في تاريخنا جنباً إلى جنب مع الثوريين البروليتاريين. في البحر الأسود، يسير عشرات الآلاف إلى گريسون رافعين أذرعهم اليسرى في الهواء، متتبعين من چتلاك كالا أحد المحاربين القدامى في حرب التحرير وهو حاملاً الراية. عشرات الآلاف في بولانجاك وفاتسا وأوردو وأونيا، يوقظون العملاء من أحلامهم السعيدة. وكل هذه الحركات تم تنظيمها أو توجيهها أو السيطرة على إدارتها من قِبل الثوريين البروليتاريين مع الشباب الثوري في المنطقة، على أساس المطالب الملموسة للجماهير.

ومن ناحية أخرى؛ فإن منتجي التبغ، منتجي الشاي والعنب والشوندر والأفيون، أخافوا الإمبريالية وعملائها ودفعوهم إلى البحث عن صيغ جديدة إما بشكل عفوي أو بتحريض من الثوريين البروليتاريين في المنطقة. (كما هو معروف؛ تؤكد الإمبريالية الأمريكية بعناية على سلسلة اليونان (الطغمة العسكرية) – تركيا (السلطة العميلة) – إيران (الشاه) باكستان (يحيى خان) من أجل تطويق البلدان الاشتراكية من ناحية وقمع الحركة الثورية الشرق-أوسطية النامية من ناحية أخرى، وتبذل جهوداً غير عادية لاستخدام هذه السلسلة كما تشاء. واليوم؛ السلطة العميلة التي تحكم الحلقة التركية للسلسلة أصبحت في حالة يأس. لقد أدت الأزمة الاقتصادية وقلق واضطراب الجماهير إلى قيام الإمبريالية بتعزيز هذه الحلقة في السلسلة؛ وإعطائها دماً جديداً. باختصار؛ هذه هي الحقيقة التي تقوم عليها صيغة يحيى خان).

في هذه الحالة؛ اكتسبت أهمية تركيا الجيوسياسية والاستراتيجية قيمة أكبر، أكثر من أي وقت مضى. والآن يُنتظر من الثوريين البروليتاريين في تركيا مهاماً أكبر. نعتقد أنه سيكون من المفيد أثناء مناقشة هذه المهام من جهة، فمن جهة أخرى يجب إعادة فضح الموقف الخاطئ للانتهازية الذي ابتليت به حركتنا الثورية البروليتارية.

إن ديمقراطية النمط الفلبيني التي فقدت لُبّها والوضع اليائس الذي فيه السلطة العميلة نفسها تدفع الثوريين البروليتاريين بشكل منهجي، أكثر من أي وقت مضى، لجعل شعار “المزيد من العمل اليومي” رايتهم. لكن يجب ألا نفصل النضال ضد الانتهازية التي تسعى إلى أن تكون نشطة في حركتنا، عن النضال ضد الإمبريالية. لأن الصفوف الثورية تتطور وتصبح صلبة من خلال النضال ضد الانتهازية.

اليوم؛ هناك تياران انتهازيان رئيسيان في تركيا. انتهازية أيبار-آرن-بوران هي الأولى، الانتهازية الجديدة هي الثانية. إن انتهازية أيبار-آرن-بوران يتم تدميرها يوماً بعد يوم من خلال النضال الأيديولوجي النشط الذي تم خوضه ويتم خوضه، وكلما تدمّرت، فإنها تتعامل مع الشرطة وتخبر عن الثوار وتأخذ مكانها في صف الإمبريالية. [1]

النوع الثاني من الانتهازية (الجديدة) أكثر تمويهاً. في نهاية المطاف، وبأي هيئةٍ كانت، وأياً كانت الاستراتيجية “الثورة الاشتراكية – الثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية” التي تبدو أنها تدافع عنها، فإنّ “الانتهازية هي الطابور الخامس للإمبريالية في صفوفنا”. والتناقض بين الانتهازية والخط الثوري الحقيقي، ليس كما جادل البعض، “تناقضا داخل الشعب”.

أليست الانتهازية تسعى إلى إدخال عدم الثقة والإحباط والاستسلام والاستسلامية والتبعية والمغامرة في صفوفنا، وأن النضال النشط ضد الاثنتين دون تمييز إحداهما عن الأخرى هو المهمة الثورية البروليتارية.

في هذه المقالة؛ سنركز أكثر على وجهات النظر الخاطئة للانتهازية الجديدة. بالطبع تم إدانة هذه الآراء سواءً في الكثير من المقالات في أيدينليك منذ العدد 15، وسواءً في الاجتماعات أو في الممارسة الاجتماعية. لكن من الضروري توجيه تحذير لأولئك الرفاق الذين بسبب انخفاض مستوى وعيهم وارتباطاهم الشخصي، يقفون إلى جانب الانتهازية ومِنهم مَن لديهم إمكانات ثورية، والذين سيتبنون الخط الثوري الحقيقي، ويجب انتقاد الانتهازية مراراً وتكراراً حتى لا تجد أي مجال نفوذ في تركيا التي هي بلد البرجوازية الصغيرة.

الأساس الهش للانتهازية الجديدة

قبل الشروع في نقد الانتهازية الجديدة، دعونا على الفور نذكر النقطة التالية: في مقالتنا هذه وبعد تحديد بعض الأخطاء العامة، سنتناول بإسهاب وبالتفصيل الموقف الخاطئ للانتهازية الجديدة تجاه الجماهير والثورة الكوبية. لأنه من الضروري إجراء دراسة عامة للثورة الكوبية التي كانت تتقدم نحو الاشتراكية بعد شن حرب التحرير القومي على بعد 90 ميلاً من الولايات المتحدة. وهذا سيمكّنها أيضاً من ممارسة تأثيرات إيجابية على التطور السليم للممارسة العملية الثورية العالمية وحركتنا الثورية.

فلتختبئ للانتهازية وراء الحقائق العامة للماركسية بقدر ما تريد، ولتبدو وكأنها تتحدث بالمصطلحات الماركسية بقدر ما تريد، ولكن في الممارسة العملية، في تفسيراتها وتحليلاتها، يتكشّر الأساس الهش على الفور. “إنّ التحليل الخاطئ للأساس من الطبيعي أن ينعكس في كل طوابق المبنى الذي يرتفع فوق هذا الأساس”. [2]

على الرغم من أنه تمت الكتابة وانتقاد الانتهازية الجديدة عدة مرات، إلا أنه من المفيد تكرار وتوضيح الاقتراح الشهير (!) الذي تستند عليه. لأن هذا الاقتراح الجديد الموثق في العدد 12 من مجلة أيدينليك، أدى إلى الفصل النهائي بين الصفوف الثورية والانتهازية، وشكّل نقطة انطلاق لجميع التحليلات التي أجرتها الانتهازية الجديدة بعد ذلك.

“لا تملك البروليتاريا الشروط الموضوعية والذاتية لريادة الثورة”. [3]

ولكي تحدث الثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية وتحقق انتصارات دائمة، لا بدْ من القيام بها تحت ريادة البروليتاريا. إذا كانت البروليتاريا في بلد ما لا تمتلك الشروط الموضوعية للريادة، “لا يمكن القيام بالثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية في ذلك البلد. إنّ القول بأن النضال الذي سيتم خوضه في الخطة العامة سيقودنا في النهاية نحو الثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية، لا يغير أي شيء. حتى في أكثر بلدان العالم تخلفاً، عندما يتم الإعلان عن الاستراتيجية الثورية كاستراتيجية صالحة للثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية ويشارك الانتهازيون الجدد بحماس في ذلك، فمن المستحيل فهم سبب ادّعائهم أن مرحلة الثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية بالنسبة لتركيا لا تزال مرحلة متقدمة.

“بالطبع، إذا لم تكن لدى البروليتاريا الشروط الموضوعية والذاتية لريادتها، فلا يمكن أن تكون ريادية في الثورة”. [4] حقيقة أن البروليتاريا لا يمكن أن تكون ريادية تعني أنه لا يمكن القيام بالثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية”. أساساً اعتبروا أنفسهم مرحلة انتقالية تسمى “الحركة القومية (الوطنية) الديمقراطية” ضمن سلسلة هذا المنطق [5].

على الرغم من أن الانتهازية الجديدة لا تقول صراحةً “نحن متأخرين عن مرحلة الثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية”؛ إلا أنّ الغموض والإبهام والاشتباه وجريان المياه من تحت القش هي الخصائص العامة للانتهازية. لكن لا يفلت من القارئ المتأني حقيقة أن الانتهازية الجديدة تريد الوصول إلى هذا الاستنتاج. وفي هذا الصدد، فإن الانتهازية الجديدة هي الانتهازية اليمينية، وبالتالي الاستسلامية. إنها تظهر المستوى الاقتصادي للبلد تحت مستوى القوة والشروط التي وصلت إليها البروليتاريا. وبموقفٍ معاكس فإن انتهازية أيبار-آرن-بوران تقترح الثورة الاشتراكية كخطوة ثورية يجب اتخاذها من خلال إظهار البروليتاريا وشروط البلاد أعلى مما هي عليها. في الواقع إنّ البروليتاريا والتحالفات والنضال ضد الإمبريالية والثورة ليسوا محط اهتمام الانتهازية الاستسلامية القديمة. لقد تولّت فقط مهمة الإخبار عن الثوريين والتعامل مع الشرطة والإمبريالية، وتنفذها بنجاح.

كلما تعرّضَ هذا الاقتراح الشهير الذي يشكل أساس الانتهازية الجديدة، للنقد والإدانة على النحو الواجب، فيبدو أن زمر المتحدثين باسم الانتهازية الجديدة تتراجع عنه، وقيل أنّه “قابل للنقاش”، وقيل أنّه “إذا اقتنعنا، فسوف نتراجع”، ولكن مع ذلك يتم التشبث به بقوة مرة أخرى. وكما يمكن أن يُرى بوضوح، فإن حركتنا العمالية التي لها تاريخ يمتد إلى مائة عام، والنضال الثوري البروليتاري المستمر منذ خمسين عاماً، وأحداث 16 يونيو/حزيران، جعلوا الآن الصديق والعدو يطوي هذه الأطروحة بشدة ويرميها في سلة المهملات ويشعل تنانير العملاء، على عكس ما يعتقده البعض.

عندما لا تتوفر للبروليتاريا الشروط الموضوعية لريادة الثورة، فعلى أولئك الذين يسمّون أنفسهم “الثوري البروليتاري” أن يقوموا “بعمل” آخر. وإلا من المستحيل استخدام هذه الصفة والجلوس على رأس مجلاتهم التبعية وتجميلها لعرضها في السوق.

لم يكن من الصعب استنتاج “العمل” الذي يتعين القيام به من هذا الاقتراح الشهير. هذه الفترة هي فترة “الحركات القومية (الوطنية) الديمقراطية”. “الطليعة هي راديكاليو البرجوازية الصغيرة”، “ومهمة الثوريين البروليتاريين هي دعمهم”. هذه “المهمة الثورية البروليتارية” ارتُبِطَتْ بالصيغة العبقرية (!) “الدعم-الصداقة-النقد”. (ربما كانت هذه صيغة صالحة لبعض البلدان الآسيوية خلال فترة الكساد الأولى للإمبريالية، عندما لم تكن البرجوازية قد استنفدت بعد بارودها الثوري. لكن في فترة انهيار الإمبريالية حيث تكون البرجوازية قد استنفدت بارودها الثوري، يمكن طرح مثل هذه الصيغة فقط لتسجيل التبعية). لا توجد طليعة في هذه الصيغة. وعلى أية حال، فإن وجود الطليعة كان سيؤدي إلى لاعقلانية سخيفة داخل منطق الانتهازية نفسها.

إن الانتهازية الجديدة التي تتجاهل حقيقة أن تركيا بلد مستعمَر داخل النظام العالمي الإمبريالي، أصبحت تدافع عن فكرة أنه في يوم من الأيام “ستنضج الشروط الموضوعية” وعندها ستأخذ الصيغة زمام المبادرة.

الهدف العام للثوريين البروليتاريين هو السلطة. أولئك الذين يعتبرون أنه من واجبهم دعم الراديكالية البرجوازية الصغيرة في الصراع على السلطة، ليسوا ثوريين بروليتاريين. في أحسن الأحوال، هم ثوار البرجوازية الصغيرة، الذين تسللوا إلى صفوفنا باستخدام المصطلحات الماركسية بكثرة. [6]

الانتهازية الجديدة ومفهومها الجماهيري

بمجرد أن يبدأ الشخص في التصرف من النقطة الخاطئة، فإن كل خطوة سيتخذها بعد ذلك، وكل إجراء سيتخذه، سيحمل آثار هذه النقطة الخاطئة. كما أن الانتهازية الجديدة أظهرت في رأيها جميع نواقص نقطة الانطلاق الخاطئة هذه.

كما هو الحال في العديد من الموضوعات الأخرى، كانت توعظ باستمرار بآراءٍ خاطئة حول قضايا أساسية مثل علاقات الإنتاج [7] والتحالفات والجبهة القومية [8]، وقد تم انتقادها في حواشي المقالات التي قدمناها، ونشرنا غسيلها (فضحناها).

خطأ آخر مهم للانتهازية الجديدة هو ذلك الذي ترتكبه بخصوص الجماهير. على الرغم من أن الانتهازية الجديدة لا علاقة لها بالجماهير (لأنهم يعتبرون بيع الصحف في الشوارع هو العمل الجماهيري الوحيد)، إلا أننا وجدنا أنه من الضروري إصدار تحذير لأولئك الذين أتوا للتو من أمريكا، والذين بغبار أقدامهم يطلقون أحكام على الحركة الثورية التركية للعمل بحذر أكبر واتخاذ الممارسة العملية كمعيار مهم والتحدث وفقاً لذلك.

لأن: “نظرية المعرفة للمادية الدياليكتيكية تعطي المرتبة الأولى للممارسة وتعتقد أنه لا يمكن فصل المعرفة البشرية عن الممارسة”. [9] إذا كنا جاهلين بالممارسة، ولكننا نحاول وضع كلمات كبيرة، صيغ لامعة، فلن تخطو هذه خطوة واحدة أبعد من القوالب الجوفاء ومن الأوهام. كل أطروحة نطرحها تبقى صيغة جميلة ضيقة وغير مجدية في مواجهة واقع الحياة. الابتكار لا يجلب لحركتنا طريقة لفهم الحقيقة. لأننا لم نحقق وحدةً أو انسجاماً بين ما نقرأه وبين الممارسة الملموسة لبلدنا. لأننا لم نطبق ما نقرأه على حقائقنا كدليل للعمل، فليس لأجل ذلك نقرأه.

في هذه الحالة، تُختلَق القصص التالية، وتُصدَّق، وتُبتلَع من قِبَل بعض الطواقم الساذجة أيضاً.

“… أن يكون لدى راديكاليي البرجوازية الصغيرة في المراحل الأولى من النضال قدرة أكبر على العمل، وأن تستمع الجماهير إلى أقوالهم وتتبعها أكثر من الثوريين البروليتاريين، من الطبيعي، إنها حقيقة تاريخية.“[10]

لا ولن يمكن للأطروحة أن تكتسب صلاحية بمجرد إضافة عبارة “من الطبيعي، إنها حقيقة تاريخية” في النهاية والتأكيد عليها. من الضروري التحقيق في الجذور التاريخية لهذا ووضعه على أساس معين والنظر في انعكاسه في الممارسة: عندما يتم التحقيق في الجذور التاريخية، يمكن بسهولة ملاحظة أن الثوريين البروليتاريين أكثر فائدة من ثوار البرجوازية الصغيرة. لأن ثوار البرجوازية الصغيرة لديهم ممارسات خاطئة في فترات معينة من تاريخنا. لكن الثوريين البروليتاريين هم قوة جديدة، ومن السهل على الجماهير أن تؤمن بهم. علاوة على ذلك، فإن الثوريين البروليتاريين في أيديهم دليل معصوم للعمل مثل الماركسية-اللينينية.

الثوريون البروليتاريون لديهم ممارسة عملية في تركيا. أو “المقياس الوحيد للحقيقة هو الممارسة الاجتماعية. الممارسة هي النقطة الرئيسية في نظرية المعرفة للمادية الديالكتيكية “. [11] في هذه “الممارسة” غالباً ما عملوا جنباً إلى جنب مع ثوار البرجوازية الصغيرة. ماذا أظهرت لنا المسيرات التي نُظمَت في أكهيسار وأودامش وبولانجاك وغريسون وفاتسا، والعمل السياسي داخل الجماهير، والمظاهرات الجماهيرية والمسيرات؟ لقد رأى الرفاق الذين شاركوا في هذه الأعمال بوضوح تام أنه إذا عمل الثوريون البروليتاريون بشكل منهجي، فسيكون لهم تأثير أكبر على الجماهير وتتبعهم الجماهير بإيمان أكبر. ما الذي يثبته الوضع في أكهيسار على الرغم من كل جهود الثورة-المضادة، وحقيقة أن أعضاء اتحاد الجمعيات الاشتراكية الديمقراطية قد استشهدوا، وأن الاشتراكيين الديمقراطيين في طرابزون، والبحر الأسود دلّكوا أيديهم باستغراب أمام العمل المثالي للثوار البروليتاريين؟ هل هي أطروحة خليل بركتاي الخاطئة أم أن الثوريين البروليتاريين يمكن أن يكونوا أكثر فعالية على الرغم من كل الصعوبات والضغوطات؟

ألم يملأ منتجو التبغ في ألاچام ساحة تجمع لأول مرة لحماية حقوقهم جنباً إلى جنب مع الثوريين البروليتاريين على الرغم من كل الجهود المضادة التي بذلها نائيل گورمان، على الرغم من أنهم نفسهم رأوها كـ ثورة؟

بالطبع، إذا لم نكن على دراية بالجماهير، وإذا لم نكن من بين أولئك الذين يعدّون أي حركة جماهيرية، والذين يقومون بالدعاية التي تؤجج غضب الجماهير، والذين ينظمون، حتى لو كان تنظيماً بدائياً، فسنكون قد تحدثنا وكتبنا آجلاً. من الواضح أن هذا يجلب أيضاً الضرر، وليس الفائدة لحركتنا.

موقف آخر خاطئ يجب التوقف عنده فيما يتعلق بالجماهير؛ هو الاعتقاد بأن كل فرد يشارك في العمل الجماهيري يجب أن يكون في مستوى مطلق من الوعي، وافتراض أنه حتى لو كان شخصاً واحداً أدنى من هذا المستوى من الوعي، فسيلقي بظلاله على نجاح العملية. بالطبع ترغب النفْس في أن يكون كل فرد مشارك في الحركة في أقصى مستوى من الوعي. لكن هذا مستحيل عملياً. هذا يمكن أن يكون فقط طلبنا الشخصي، ورغبتنا. الحقيقة تختلف عن ذلك. الاشتراكي لا يتصرف وفقاً لنواياه الذاتية. إنه لا يضع الحقيقة في تناقضٍ مع رغباته.

“يجب على الطليعة أن تضمن أن كل عضو في الكتلة يتبعها في عملية ما، يشارك في هذه العملية عن علم وإرادة ووعي ويضع في الحسبان خطر المعاناة من جميع العواقب المحتملة لهذه العملية.”[12]

عندما يُنظر إلى هذا كصيغة مجرّدة، فيُرى أنها ممتعة وملفتة للنظر لدرجة أنه من المستحيل عدم الإعجاب بها. في الواقع مثلما هو نفسه يفترض أنه قال أشياء مهمة للغاية، فيؤكد عليها وأيضاً يضع خطاً تحتها. لكن عندما يتم اختزالها إلى ملموسة، إلى ممارسة الحركة الثورية العالمية، فإنّ خطأه يُكشَّر على الفور.

أولاً كما ذكرنا أعلاه، هذا فعلياً مستحيل. لا تنضم الجماهير إلى الحركة وفق “معرفة كل العواقب المحتملة” بشكل كامل. يتم تحديد أهداف ملموسة، ثم تقوم الجماهير التي تنضم إلى الحركة لتحقيق هذه الأهداف الملموسة بالبدء تدريجياً في التفكير والوعي وتعلم الأشياء التي لم يفكروا فيها منذ البداية. نحن نعلم دائماً أن الممارسة هي أعظم معلم. مع تسارع الثورة، مع تطور الحركة الثورية، يتم تثقيف الجماهير ونضجها في الحركة بشكل أسرع بكثير.

“الثورة والتطور السياسي… حقيقة لا جدال فيهما بأنهما تثقفان الناس. والمهم حقاً هو أن الثورة لا تعلّم الحكام فحسب، بل الجماهير أيضاً”. [13]

أساساً؛ في ظل هذا التعميم يكمن إنكار حركة توسلوغ التي وصلت إلى ذروة أعمال الشباب المناهضة-للإمبريالية بنفس الوقت. بينما كان الشباب المجتمعون فيما يسمى بحديقة DTCF (كلية اللغة-التاريخ-الجغرافية) ينتظرون اتخاذ قرارات بشأن المشكلات الأكاديمية، تم دفعهم إلى حركة “لا يعرفونها، ولا يمكنهم المخاطرة بالعواقب المحتملة”. كذلك يمكن لهذا المنطق أن يقودنا إلى إنكار صيغة المجلس القومي التركي الكبير القديم وجميع حركات الشباب الثورية.

إذا تم النظر إليها من زاوية أخرى؛ يظهر مرة أخرى خطأ هذا النوع من المفهوم الجماهيري. حتى في البلدان التي قامت فيها الثورة، لم يستطع الكثير من الناس فهم هذا الوضع الجديد، لكن كسبوهم من خلال العمل الأيديولوجي السياسي والحملات التي نفذت بعد الثورة. ماو، على سبيل المثال؛ كان قادرا على القول إنه “عندما وضع الشعب حداً للإمبريالية والإقطاع والرأسمالية البيروقراطية، كان الكثير من الناس بالكاد يعرفون ما إذا كانت الصين ستتحول إلى الرأسمالية أو الاشتراكية”[14] في عام 1957، بعد ثماني سنوات من الثورة.

إذا افترضنا أن ما قاله خليل بركتاي صحيح، فلم تعد هناك حاجة كبيرة للدعاية داخل الحركة، لتنظيم الجماهير، للتحريض على أفعال بمستوى أعلى. هذا يعني ادعاؤه بأن الطليعة والجماهير يجب أن يرتفعوا إلى نفس المستوى من العمل والوعي، فانظروا لما يقوله ستالين حول هذا الموضوع: “سيكون من التبعية، و’المانيلوفية’ الاعتقاد بأنه في النظام الرأسمالي يمكن للطبقة بأكملها أو أغلبية الطبقة أن ترتقي إلى مستوى وعي وعمل طليعتها، أي إلى مستوى حزبها الاشتراكي الديمقراطي”. [15]

مع العلم أنّ ستالين يقول هذه الأشياء عن الطبقة العاملة. ولكن في حركتنا سيكون هناك الفلاحون ومختلف فئات البرجوازية الصغيرة وربما القسم الأكثر تقدماً من البرجوازية القومية (الوطنية). هذا الجمهور يجعل ما يقوله خليل بركتاي أكثر تفاهة. إذا قمنا بتجميل وقول كل سبب بكلمات رائعة دون أن نزن صحتها أو خطأها، دون تمريرها عبر مرشح نقد النظرية والممارسة الماركسية، فلن يسموننا ثوري، بل ثرثار البرجوازية الصغيرة الذي يتحدث دون تفكير.

دعونا نضع الثورة الكوبية في مكانها

إن مهمة كل ثوري هي أن يقوم بثورة. كما يُرى، ستنجح الثورة في أمريكا كما نجحت في بقية العالم أيضاً. لكن ليس من موقف الثوري الجلوس أمام أبواب المنازل وانتظار مرور جثة الإمبريالية. مهمة أيوب لا تناسب الثوري. [16]

في بداية مقالتنا، ذكرنا أن الانتهازية الجديدة كانت لها أيضاً آراء خاطئة حول الثورة الكوبية. يكفي أن نولي القليل من الاهتمام لنرى كيف أصبح اليوم أولئك المتجمعون حول PDA (أيدينليك البروليتارية الثورية) مرتدّين منذ أن بدأوا في تبني موقف انتهازي علني. دعهم يدّعون أنهم حافظوا على نفس الخط منذ إصدار أيدينليك بقدر ما يحلو لهم. الآن؛ من خلال إعطاء أمثلة من كتاباتهم، سنحاول إظهار كيف يتبنون موقفا متناقضا ومرتدا أكثر فأكثر.

“النضالات الثورية في أمريكا اللاتينية التي فتحتها الثورة الكوبية” اجتاحت اليوم القارة بأسرها… استشهد تشي غيفارا، القائد الأعلى لثورة أمريكا اللاتينية، في جبال بوليفيا في أكتوبر/تشرين الأول 1967. إن شعلة التحرر القومي التي أضاءها غيفارا تضيء طريق جميع شعوب أمريكا اللاتينية”. [17] تم نشر هذه المقالة من قبل مؤسسي مجلة أيدينليك. اليوم؛ العديد من أولئك الذين يمثلون الخط الانتهازي لأيدينليك “البروليتارية الثورية” قد وضعوا توقيعاتهم تحت هذه المقالة. أولئك الذين قالوا هذه الأشياء في تلك الأيام هم الآن في موقف معاكس. ليست فقط حول الثورة الكوبية، بل أيضاً في العديد من المواضيع الأخرى، من الممكن توثيق ارتداد هذه الزمرة التي انفصلت عن أيدينليك. في الواقع؛ تم عرض العديد منهم في مقالات مختلفة من مجلة أيدينليك.

وبالمثل؛ إنّ دنيز كاوك أوغلو الذي هو في صفوف PDA اليوم، كتب في مقالة “الحركة الثورية في أمريكا اللاتينية” المنشورة في العدد 8 من أيدينليك: “خلال هذه الفترة، التي يسميها الماركسيون في أمريكا الجنوبية ‘حرب الاستقلال الثانية’، حدثت أول ‘ثورة قومية (وطنية) ديمقراطية’ في القارة، وهذه المرحلة التي وفرت الشروط اللازمة لإقامة الاشتراكية، أعقبتها ‘الثورة الاشتراكية’.” (ص 129).

من الواضح أن “وحدتهم المبدئية” التي يتباهوا بها كثيراً هي وحدة على أساس الانحراف عن الماركسية-اللينينية، وهي شتم الممارسة الثورية العالمية. لأن وسط PDA يقول الآن: إن الثورة في كوبا هي “ثورة اشتراكية تصادفية”، في حين أن تشي غيفارا وفيدل كاسترو “ثوريا البرجوازية الصغيرة”، “انتهازيان يساريان”.

يجب البحث عن جذور هذا الموقف السلبي ضد الثورة الكوبية في نضال الثوريين البروليتاريين الكوبيين ضد الاستسلامية والاستسلام والتبعية.

إنّ الانتقادات الصحيحة سواء لفيدل أو لغيفارا تجاه الاستسلامية والانتهازية اليمينية، قد أساءت بحق إلى وسط PDA الذي هو الفرع التركي للاستسلامية والانتهازية اليمينية في الحركة الثورية العالمية.

ومن هنا يأتي كل صخب هذه الزمرة ضيقة الأفق التي تجلس وتقفز كما لو كانت مطعونة بعجيزة. لم يجدوا الخلاص في الممارسة الثورية الكوبية، ولكن اعتقدوا أنه كان في انتقاد الأفكار الدوغمائية لمثقف فرنسي قام بالتكوين النظري للثورة الكوبية. لو قالوا كما يفعلون في كثير من الأحيان، أنّهم ينتقدون كتاب ريجيس ديبراي “الثورة في الثورة”، لقلنا: “هذا مجرد انتقاد لكتاب”، وغضضنا النظر رغم الأخطاء الجسيمة التي ارتكبوها. لكن انظروا إلى ما يقولون: “حقيقة أننا هنا نأخذ كتاب ريجيس ديبراي وننتقده باعتباره أوضح تعبير عن هذا الخط لا يعني أنه مجرد انتقادنا لكتاب، وأن نقدنا يقتصر على ديبراي… بل نعتقد أنه لن يكون من الخطأ والمضلل بالنسبة لنا أن نطلق باختصارعلى هذا الخط اسم (ديبرايزم) “. [18]

ننصحه بتغيير هذا الاعتقاد. فهو شيء آخر تماماً أبعد من كونه خاطئاً ومضللاً. كان ينبغي على خليل بركتاي على الأقل أن يحقق في موثوقية المصدر الذي حصل منه على المعلومات قبل أن يبدأ في انتقاد ثورة قام بها الثوار في بلد بدمائهم؛ بغض النظر عن ذلك، يجب على الشخص الذي يعتقد أنه يتحدث باسم الماركسية-اللينينية أن يضع في اعتباره على الأقل هذه القاعدة الأساسية: “من يريد أن يعرف أساليب ونظريات الثورة يجب أن ينضم إلى الثورة. وبالنتيجة… أياً كان نوع المعرفة، لا يمكن فصلها عن الاختبار المباشر”. [19]

لا يوجد فرق بين تسمية الممارسة الثورية الكوبية ومساهمتها في الماركسية اللينينية بـ “الديبرايزم” لأن ديبراي يتحدث عن الثورة الكوبية ويعتقد أنه يتحدث باسمها، وبين تسمية مساهمة ماو والممارسة الثورية الصينية في الماركسية-اللينينية بـ “بركتاي” أو “ألبايزم”. وكلاهما مثير للسخرية على حد سواء، وليسا جدّيَين، وفارغَين.

ممن سنتعلم عن الثورة الكوبية إذن؟ ليس من ديبراي، وليس من بوميروي، وليس من أ. ج. فرانك، ولا من أي شخص آخر. مباشرة من الذي شارك في هذه الثورة، ممن قادها، من طليعتها؛ من كاسترو، من غيفارا. تماماً مثل الثورة الصينية من ماو، لين بياو؛ كما تعلمنا الثورة الفيتنامية من العم هُوْ، من جياب، من لو دوان.

على سبيل المثال؛ تماماً كما لا يمكننا أن نتعلم عن ماو من المجانين الفرنسيين الذين يطلقون على أنفسهم اسم “الماوجي” ويقومون بحملة “لعدم إزعاج الأغنياء في منتجعاتهم” ومن أوساط أيدينليك البروليتارية الثورية، فلا يمكننا أن نتعلم عن كاسترو من فصيل يطلق على نفسه اسم “كاستروجي”.

أنشأ وسط أيدينليك البروليتارية الثورية الذي قضى على كل هذا في لحظة، خطاً يسمى “ديبرايزم”. ليس هناك احتمال من أن يكون هناك مثل هذا الخط. ولكن إذا أصررنا على وجود مثل هذا الخط بالضرورة وأردنا بناؤه على أساس، فمن الأفضل التحدث عنه مثل زمرةٍ ذات فهم ثابت للتاريخ في أوساط أيدينليك البروليتارية الثورية.

(كان ديبراي مثقفاً فرنسياً مهتماً بالحركة الثورية في أمريكا اللاتينية. نشأ هذا الاهتمام بعد فترةٍ طويلةٍ من قراره الابتعاد عن محيطه نتيجة لعدم فوزه في امتحان الدكتوراه. كتب عدداً من المقالات بناءً على احتكاكه في أمريكا اللاتينية؛ بعد المحاولتين الأوليتين اللتان لم تحظيا بأي اهتمام، ففي محاولته الثالثة كتب الثورة في الثورة والتي انتهت باعتقاله في بوليفيا، حيث تُرجمَت إلى عدة لغات بعد حملة مثيرة).

بصرف النظر عن نقد ديبراي بخصوص كوبا، كتب هوبرمان وسويزي في عدد يوليو/تموز وأغسطس/آب من مجلة Monthly Review/مونثلي ريڤيو (التي يعتقد خليل بيركتاي أنها تتحدث باسم كوبا، لذلك يقتبس منها)، “على الرغم من أن ديبراي يؤمن بأن شعوب أمريكا اللاتينية مستعدة للثورة، إلا أنه لا يستطيع تقديم أي دليل لتأكيد هذا الإيمان. ليس هناك شك في أن هذا السؤال ذات أهمية كبيرة حقاً”.

“يجب التعامل بحذر مع تقييم ديبراي للثورة الكوبية “. [20]

“من المستحيل أن يكون النموذج الذي تطبقه بلدان أمريكا اللاتينية في نضالاتها الثورية.  [21]

” كما سيتكرر عدة مرات في معظم كتاباته الأخرى؛ كيف يمكن لديبراي أن يدافع بهذه الأهمية عن هيمنة العناصر العسكرية على العناصر السياسية، والتي تُعتبرالخطأ الأساسي بالنسبة للفلسفة الماركسية؟” [22]

“لا ينبغي اعتبار كتابات ديبراي تحليلات سياسية لأمريكا اللاتينية، ولكن ككتيبات ذات طبيعة سياسية”. [23]

 “ديبراي غير قادر أو لا يستطيع التمييز بين النظرية الثورية والممارسة الثورية.” [24]

“علاوة على ذلك، تختلف نظرية ديبراي حول الثورة الكوبية عن الممارسة الثورية في كوبا من عدة جوانب مهمة”. [25]

“إنّ عجْز ديبراي عن دراسة مجتمع أمريكا اللاتينية والجمع بين النظرية الثورية وممارستها، يقوده إلى التقليل من أهمية المشاركة السياسية للجماهير في الثورة وتجاهل الدور السياسي للأنشطة العسكرية بتنظيم هذه المشاركة الجماهيرية”. [26]

“من بين جميع أخطاء ديبراي، فإن أخطر الأخطاء وجديةً هو رفضه التام لنظرية الثورة”. [27]

يمكن اقتباس مثل هذه الانتقادات بشكل أكثر وفرة وتكاملاً. إذا كان هناك تيار “ديبرايزم” في الحركة الثورية العالمية اليوم، كما يعتقد شاهين ألباي وخليل بركتاي وأوساط PDA، فسيكون انتقاده مهم جداً. لكن لايوجد مثل هذا التيار ولا أحد يمارسه. لم يمارس كاسترو وغيفارا وبرافو وبورادي تيار يسمى “الديبرايزم”، كما تفترضه الانتهازية. هذا نتاج خيالي بحت، ومُلفّق. إن انتقادات كوبا بشأن هذه المسألة أكثر اتساقاً ودقة من انتقادات خليل بركتاي والكُتّاب الذين سردناهم أعلاه. على الرغم من كل هذا، إذا أصرت أوساط أيدينليك البروليتارية الثورية على خط “كاسترو-جيفارا-ديبراي” أو “الديبرايزم” في هذه الآراء، فإنه ليس سوى موقف “عناد”. قيل مراراً وتكراراً حتى يومنا؛ إنّ هذا موقفٌ خاطئٌ وغير متسق.

أحد الانتقادات الموجهة بـ اسم الحزب الشيوعي الكوبي تم تلخيصها في العدد 20 من أيدينليك من قِبل رفيقنا ماهير چايان. سنحاول اقتباس بعض المقاطع القصيرة من نفس المقال، ونبين أنه على عكس أوساط أيدينليك البروليتارية الثورية هناك اختلافات جوهرية بين كوبا وديبراي. (تماماً كما توجد اختلافات جوهرية بين الخط الثوري الصيني والخط الانتهازي اليميني لأيدينليك البروليتارية الثورية).

وقال خوليو أروندي وسيمون تورس، متحدثين بـ اسم الحزب الشيوعي الكوبي، بعد أن أدانوا أنفسهم بسبب تأخير انتقاداتهم:

“ديبراي … إنه يقع بنفس الوقت في موقف الغبي، لكننا نعتقد أن هذا الموقف الغبي ضروري في مناقشة البنية النظرية الجديدة التي طرحها ديبراي”. [28]

“يمكن تفسير كل الأخطاء من خلال حقيقة أن فرضية ديبراي خاطئة بشكل أساسي.” [29] لكن دعونا نبيّن على الفور أنه على الرغم من أن ديبراي على أساس خاطئ، فهذا لا يعني أن انتقاداته خاطئة تماماً. لقد أثبت ديبراي مرة أخرى أن الأحزاب الاستسلامية في أمريكا اللاتينية لا يمكنها القيام بثورة.

بصرف النظر عن هذا، فإن التحليلات الواردة في الكتاب لا تستند إلى فلسفة ماركسية صحيحة أو إلى أساس عملي ونظري متين. هذا هو موقفنا بخصوص ديبراي. وإلا فإننا لم نقع أبداً في حماقةِ أن نعتبر ديبراي منظّرا للحركة الثورية في أمريكا اللاتينية.

حول الثورة الكوبية

كوبا بلد يقع على بعد 90 ميلاً شرق الولايات المتحدة، وقد حقق ثورته الاشتراكية بعد تحقيق ثورته القومية (الوطنية) الديمقراطية خلال الأزمة الثالثة للإمبريالية وقطع خطوات واسعة في إقامة الاشتراكية. ومثلما أدت الثورة الكوبية إلى انتكاسة الإمبريالية اليانكية، العدو اللدود لشعوب العالم على وجه الأرض، فقد علّمت أيضاً دروساً مهمة لما يسمى بالأحزاب العمالية الاستسلامية -سواء كانت موجودة أم لا، ستتحقق الثورة- في أمريكا اللاتينية التي تهدر الإمكانات الثورية بإفراط.

لقد ساهمت التجارب السوفييتية والصينية والفيتنامية، وكذلك الثورة الكوبية، في الخزانة الحية للماركسية-اللينينية. إن إنكار ذلك يعني اعتبار الماركسية شيئاً جامداً وغير قابل للتطور، وهو ما لا يؤكده الماركسيون. أظهرت الثورة الكوبية أيضاً أنه يمكن القيام بالثورة في أمريكا اللاتينية وأدانت الإصلاحية والاستسلام والتصحيحية.

كان رد الثوار الكوبيين على التحريفيين الذين أطلقوا عليهم اسم “المغامرين” لأنهم بدأوا الكفاح المسلح، على النحو التالي:

«كان علينا أن نقاتل، وبدون ذلك لن يكون هناك أي ‘انتقال’ في بلدنا. بدون الكفاح المسلح للشعب الكوبي، ربما كان السيد باتيستا “من صُنع الولايات المتحدة الأمريكية” سيبقى بيننا. لا يحق لقلة من المنظّرين الذين لم تطأ أقدامهم كوبا أبداً، أن يرووا ما يجري هناك”. [30]

كان تقليد النضال الثوري في كوبا قديماً جداً. لم تكن قوى المناضلين الثوريين داخل البروليتاريا الزراعية بقوةٍ يُستهان بها. ومن ناحية أخرى، كانت هناك كراهية كبيرة من الشعب تجاه دكتاتورية باتيستا بسبب قمعها واضطهادها. لم تكن الطبقات الواسعة من السكان سعيدة من الوضع. كانت الطبقات الحاكمة تهتز، ولم تعتبر أن الحركة الثورية في كوبا، في نهاية النصف الأول من الكساد الثالث للإمبريالية خطيرة “حالياً”. وباختصار؛ كانت هناك حالة أزمة في كوبا. كما هو معروف؛ لا تنتهي كل أزمة بثورة. إذا لم “تجرؤ على الفوز” وقوتنا الذاتية ضعيفة، خائفة، مستسلمة، فلن يؤتي أي منها ثماره. لإسقاط شجرة فارغة، تحتاج إلى دفعها.

هذا هي المهمة التي تولاها الثوار الكوبيون. بدأوا العمل في الجزء الأكثر ثورية من كوبا في منطقة أورينت، حيث أبقوا “شعلة الاستقلال مشتعلة”، متجاهلين الجهود المضادة والحجج الخاطئة للحزب الاستسلامي “الأرثوذكسي”. لم تكن ثقافة الإمبريالية قد وصلت بعدْ إلى ريف سيرا ماسترا. لم تكن الثورة المضادة منظمة للغاية. بسبب هذا، وبسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي كانوا يعيشون فيه، كانوا منفتحين على الأفكار الثورية.

في الحرب المناهضة-للإمبريالية والمناهضة-للإقطاعية، استغل الثوار جميع أنواع التناقضات، وحشدوا جميع القوى ضد باتيستا بسياسة صحيحة لجبهة قومية واسعة، وقاموا بالثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية في يناير/كانون الثاني 1959. لم تكن هذه الثورة ثورة اشتراكية بعدْ.

الانتهازيون الجدد الذين وافقوا سابقاً على هذه الحقيقة، استداروا فجأة واتخذوا وجهة نظر معاكسة.

“لقد حدّد أفجي أوغلو الخطوة الثورية المنتظَرة أيضاً بشكل صحيح. جوهر القضية هو تصفية تحالف القوى المحافظة.. التي تجعل بقايا العصور الوسطى لا تزال قائمة، وتجعل استقلالنا السياسي والاقتصادي رهينة لقوى خارجية…” [31]

حقيقة أن شاهين ألباي الذي وضّح كلمات أفجي أوغلو هذه وقال أنّه “حدد الخطوة المنتَظَرة بشكل صحيح”، فاستخلاصه من الخطوة استنتاج الثورة الاشتراكية في هذه الكلمات، يجعل المرء متشككاً. لأنه يطبّق المنطق بعكس ما هو عليه. إما أن شاهين ألباي وأوساط أيدينليك البروليتارية الثورية لا يفهمون ما يقرؤوه، أو أنهم يحرّفونه في تفسيرهم كما يشاؤون”. في النضال المناهض-للإمبريالية والمناهض-للإقطاعية من الممكن توحيد الغالبية العظمى من الشعب على برنامج تحرر يصب في مصلحة الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين والبرجوازية الصغيرة والفئات الأكثر تقدمية من البرجوازية القومية (الوطنية)”. [32]

إذا كان الكُتّاب المذكورون أعلاه وأوساط PDA الأخرى، يستخلصون نتيجة الثورة الاشتراكية من الخطوة الثورية التي يهدف إليها هذا النص -وهذا يتضح مما يكتبونه- فإننا نشك في ماهية الثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية التي يدافعون عنها.

بقدر ما يمكن لأوساط PDA أن ترى كوبا على أنها تمثل “الخط الانتهازي اليساري”، فإن النص أعلاه يقترح الثورة المناهضة-للإمبريالية والمناهضة-للإقطاعية “الثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية” كخطوة ثورية منتظَرة في بلدان أمريكا اللاتينية. [33] ويرى أنه من الممكن توحيد جميع الطبقات والشرائح القومية حول برنامج التحرر من خلال التحليل الصحيح.

إن تسمية الثورة الكوبية في يناير/كانون الثاني 1959 بـ “الثورة الاشتراكية” تعني عدم معرفة معنى الثورة الاشتراكية، وتعني الاعتقاد مثل انتهازية أماك بأن السلطة الديمقراطية للطبقة والشرائح القومية تحت قيادة الطبقة العاملة هي سلطة اشتراكية.

“من يناير/كانون الثاني 1959 إلى ديسمبر/كانون الأول 1961، نرى أن ثورة التحرر القومي والثورة الاشتراكية قد مرّتا بمراحل عديدة واحدة تلو الأخرى”. [34]

“في ثورتنا أيضاً، ستكون هناك فترة قصيرة من الزمن بين الثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية والثورة الاشتراكية، كما هو الحال في كوبا”. [35]

الطبقة العاملة، الثورة والتحالفات

إن الاستنتاجات العمياء لأوساط PDA حول الثورة الكوبية، استناداً إلى مقال لكاتب عربي في مجلة آنت، خاطئة تماماً. إن التشبث بالخطأ، ورؤيته على أنه الحقيقة الوحيدة، وغض الطرف عن الحقيقة هو موقف انتهازي بحت.

إن الاستراتيجيات والتكتيكات المقترحة فيما يتعلق بالثورة الكوبية والمسار الثوري لأمريكا اللاتينية تختلف اختلافاً تاماً عن السخافات التي تروج لها أوساط PDA، والتي سنذكرها أدناه.

“من ناحية أخرى، وفقاً لخط كاسترو-غيفارا-ديبراي، فإن الفوكو الذي يجتمع فيه مثقفو البرجوازية الصغيرة الذين تبنوا بالفعل بعض المبادئ العامة للاشتراكية، يتولى دور القيادة ويقوم بـ ‘ثورة اشتراكية’ (!) لأن ‘الطبقة العاملة لا تستطيع القيام بثورة’ ” [36]

إلى جانب الأخطاء الجسيمة في هذه الفقرة، يجب على كل ثوري أيضاً أن ينتبه إلى الغطرسة والاحتقار والتكبر، والموقف المغرور. يستخدم شاهين ألباي علامة التعجب بين قوسين في نهاية أسماء القادة المنتصرين الذين قاموا بثورات مثل كاسترو وغيفارا. إن وضع اسم ديبراي في نفس خط القادة الثوريين، يرجع إلى جهله. لكن عندما يتحدث المرء عن قادة الثورة البروليتارية الكوبية، يجب على المرء أن يحدد مكانه بشكل صحيح وأن يتحدث وفقاً لذلك. خاصة إذا ادّعى أنه يتحدث باسم الثوريين البروليتاريين في بلد متخلف.

نعتقد أن شاهين ألباي، كمثقف برجوازي صغير، يجب أن يخجل من الفقرة أعلاه. لأن كوبا في إعلان هاڤانا الثاني، قدّم الرد اللازم على مثل هذا الهراء.

“إن موقف القوى العالمية من الشعوب المستعمَرة وحركات التحرر للشعوب التابعة الحالية، يظهِر المهمة الحقيقية للطبقة العاملة والمثقفين الثوريين في أمريكا اللاتينية التي تقود النضال بحزم ضد الإمبريالية والإقطاع”. [37]

عندما ينتبه المرء بعين متأنية وناقدة للأطروحات التي تطرحها الانتهازية الجديدة، من المستحيل ألا نرى أنها تدافع باستمرار عن الأكاذيب والافتراءات، وأنها تتوقع متعة خاصة وفائدة من تحريف الحقيقة ونقلها. مع الثورة الكوبية، كما هو الحال في جميع الأمور، يحاولون عن طيب خاطر إدخال مثل هذا الخطأ في صفوف الثورة.

وقد تجلت مقترحات الثوريين الكوبيين بشأن العالم والحركة الثورية لأمريكا اللاتينية في إعلان هاڤانا التاريخي. أولئك الذين قرأوا المقطع الذي اقتبسناه أعلاه من هذا النص واستخلصوا منه أن “الثورة الاشتراكية” و”الطبقة العاملة لا تستطيع القيام بثورة”، هم إما حمقى لا يفهمون ما يقرؤون، أو جهلة يتكلمون دون دراسة، أو كاذبون ومحرّفون.

جانب آخر من المسألة هو: اقتباس شاهين ألباي من مقال يونس حيدر المنشور في مجلة آنت لا يتطابق مع ما قاله الثوار الكوبيون، بل مع ما كتبه شاهين ألباي، ويدعم اقتراح شاهين ألباي الشهير.

على سبيل المثال؛ لا يوجد فرق بين يونس حيدر الذي قال: “لا توجد طبقة عاملة قوية بما يكفي لقيادة الثورة في هذه البلدان”، وبين شاهين ألباي الذي قال: “الطبقة العاملة لا تملك الشروط –الموضوعية والذاتية– لريادة الثورة”. من هذه المقترحات، يمكن استخلاص الاستنتاج الذي بحث فيه شاهين ألباي فقط، لا من إعلان هاڤانا الثاني ولا مما قاله الثوار الكوبيون. وكِلا الاقتراحَين خاطئان؛ فهي تمثل الانتهازية اليمينية والاستسلامية. مما لا شك فيه أن شاهين ألباي لكان أكثر صدقاً، لو كان قد انطلق من أساس تعزيز أطروحته أثناء اقتباسه من يونس حيدر.

“كما أظهر فيدل وتشي، فإن البرجوازية القومية (الوطنية) غير موجودة ولا يمكن أن تلعب دوراً ثورياً”. [38]

على الرغم من أن وجود أو غياب البرجوازية القومية (الوطنية) ليس “قضية” حيوية لمرحلة الثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية، إلا أنه دعونا نحاول توضيح هذه القضية من أجل إظهار كيف أن كلاًّ من أندريه غوندر فرانك وخليل بركتاي، اللذان كانا يتشاركان نفس الرأي، لم يكونا على دراية بكاسترو وتشي. أولاً؛ اتخذت الثورة الكوبية خطوتها الأولى مع الاستيلاء على السلطة في يناير/كانون الثاني 1959 من قبل الجبهة الواسعة التي تشكلت بين الطبقة العاملة-الفلاحين-البرجوازية الصغيرة والقسم الأكثر تقدماً من البرجوازية القومية (الوطنية): ولعبت البرجوازية القومية (الوطنية) دوراً هاماً في الحركات في المدن، حتى أنها سعت جاهدة لوضع الثورة تحت سيطرتها. لكن عملية 26 يوليو/تموز التي استندت بشكل متزايد إلى دعم الجماهير العريضة واسترشدت بـ “أيديولوجية الطبقة العاملة”، مكّنت الثورة من الاستيلاء على السلطة مع القوى القومية (الوطنية) الديمقراطية.

انتشرت الحركة التي بدأت في الريف تدريجياً في جميع أنحاء البلاد وأطاحت بالإمبريالية وعملائها. “بالطبع؛ أثناء القيام بكل هذا، من الضروري أن نعتمد على أوسع مساهمة للجماهير العاملة ونثق بتوجيه أيديولوجيتهم الخاصة.” [39] هذه هي الأقوال التي قالوها الثوريون الكوبيون لقيادة الطبقة العاملة والطبقة العاملة مع المثقفين الثوريين. فلنربط هذا الموضوع مرة أخرى بالمقترحات الواردة في إعلان هاڤانا الثاني.

“هذه الشروط هي التي مكّنت شعوب القرى الفقيرة في أمريكا اللاتينية من تشكيل قوة ثورية كبيرة لصالح السلطة… لكن بما أن غياب علاقاتهم مع الوسط معروف، فإن الفلاحين بحاجة إلى المثقفين الثوريين والإدارة الثورية والسياسية للطبقة العاملة. بدون هذه الإدارة، لا يمكنهم الدخول في النضال بمفردهم وتحقيق النصر”. [40]

البرجوازية القومية (الوطنية)

إن مسألة وجود البرجوازية القومية (الوطنية)، كما ذُكِرَتْ أعلاه، ليست شرطاً ضرورياً لصحة استراتيجية الثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية. على الرغم من وجود “تناقضات” موضوعية بين البرجوازية القومية (الوطنية) والإمبريالية والبرجوازية العميلة، فهذا لا يعني دائماً أن البرجوازية القومية (الوطنية) ستأخذ مكانها في صفوف الثورة. في مناقشات اليوم وحدها، نركز على البرجوازية القومية (الوطنية) لأجل فضح التحريف. كما يتضح في اقتباسنا من مقال خليل بركتاي في PDA، يدّعي الانتهازيون الجدد أن كاسترو وتشي كانا يقولان: “لا توجد برجوازية قومية (وطنية)، ولا تستطيع أن تلعب دوراً ثورياً” (!).

من الواضح أن البرجوازية القومية (الوطنية) لا يمكنها أن تلعب دوراً ثورياً على أكمل وجه. لقد قام كل من الثوريين الصينيين والثوريين الكوبيين والممارسة الثورية لهذين البلدين بإظهار هذه الحقيقة الملموسة. هناك تشابه تام بين وجهات نظر ماو وإعلان هاڤانا الثاني الذي عبر عن آراء الثوريين الكوبيين.

“لقد أظهرت التجربة أنه حتى عندما تصطدم مصالح بلدنا بالإمبريالية اليانكية، لا تقوم هذه الطبقات بالمقاومة في كل وقت… بالمقارنة بين الإمبريالية والثورة، إنّ طبقاتها الأكثر تقدمية هي وحدها التي ستقف إلى جانب الشعب”. [41]

لا ينطبق التفسير أعلاه على كوبا وأمريكا اللاتينية فحسب، بل ينطبق أيضاً على جميع البلدان الأخرى. لأن الماركسيين في جميع أنحاء العالم يتفقون على مثل هذا التفسير.

هذا هو رأي الثوريين الكوبيين في مسألة البرجوازية القومية (الوطنية).

النتيجة

عند دراسة الثورة الكوبية، يمكن التوصل إلى الاستنتاجات التالية:

1- المرحلة الثورية: مهمة فترة الحرب الثورية في جميع بلدان أمريكا اللاتينية هي حرب معادية-للإمبريالية ومعادية-للإقطاعية. وبعبارة أخرى؛ إن الخطوة التي يجب اتخاذها هي خطوة الثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية. من أجل إيصال هذه الخطوة إلى انتصارات دائمة، من الضروري القيام بالثورة الاشتراكية بعد ذلك مباشرة وفي أقرب وقت ممكن (لأنه لا يوجد “سور الصين” بين الاثنين) والمُضي قُدُماً في بناء الاشتراكية.

2- بما أن الإمبريالية دخلت في القمع والمؤامرات المتسلسلة على مستوى القارة، فمن الآن وصاعداً سيكون ميدان النضال القارة بأكملها.

في الواقع؛ إن انهيار الإمبريالية سيكون من خلال النضال الثوري في جميع أنحاء العالم بشكل عام، ومن خلال النضالات الإقليمية بشكل خاص. يجب تقييم شعار تشي غيفارا “دعونا نخلق فيتنامَين أو ثلاثة أو أكثر” في هذا الإطار.

واليوم في جنوب-شرق آسيا، وصل تحرير الشعب الفييتنامي إلى خط مشترك مع تحرير كمبوديا ولاوس وتايلند والفلبين.

إن النضال الثوري وتحرر شعوب الشرق الأوسط مرتبطان ارتباطاً وثيقاً ببعضهما البعض. في الشرق الأوسط، لم يعد الأمر يتعلق بتحرير الأردن ولبنان وغيرهما، واحداً تِلْوَ الآخر، بل بتحرير جميع شعوب الشرق الأوسط من الإمبريالية والإقطاعية.

وبالمثل في أمريكا اللاتينية، سيكون الخلاص قارّياً. هذا صحيحٌ لأن الإمبريالية تمر بفترة احتضار وكذلك النضال الثوري العالمي مرتبطِين ببعضهم البعض ارتباطاً وثيقاً.

3- “الأيديولوجية الماركسية ضرورية الآن للنضال. ومن الضروري الآن الدخول في صراع أيديولوجي مع الإصلاحية التي تدعمها البرجوازية”. [42]

4- ستكون الحرب على شكل “تطويق المدن من الريف”. في الثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية، الحرب الشعبية هي محطة ضرورية، والفلاحون هم القوة الأساسية لكل من الجيش الشعبي والثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية. من وجهة النظر هذه، بما أن الثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية تشمل عملية بناء الأمة، فهي في الأساس ثورة فلاحية.

لم يتم الاستهانة بالطبقة العاملة ولا بالفلاحين في الممارسة الثورية الكوبية، كما يفترض الانتهازيون الجدد. في أغلب الأحيان كان كل من كاسترو وغيفارا يذكّران العالم بهذه الحقيقة.

“الطبقة العاملة وجماهير الفلاحين هم الذين يحددون نتيجة الصراع”.

أساساً هم الذين حددوا النتيجة في كوبا. كان هناك عمال وفلاحون من جيش المنتفضين، وجماهير واسعة من العمال والفلاحين في المدن والريف الذين أطاعوا توجيهات إذاعة المنتفضين وقادتِها بعناية وتفان كبيرين.

5- لن تنجح الثورة “القومية (الوطنية) الديمقراطية” المناهضة-للإمبريالية والمناهضة-للإقطاعية في أمريكا اللاتينية إلا من خلال حركة شعبية. لهذا السبب من الضروري رفع مستوى الوعي السياسي للجماهير في هذه المنطقة، وتنظيمها وفتح جبهات تحرر شعبية تجمع فيها كل العناصر المعادية-للإمبريالية والمعادية-للإقطاعية.

المرحلتان الأوليتان من هذا؛ هي أنشطة الكريلا الذين ضمنوا دعم الشعب لهم وأصبحوا قادرين على الانخراط بينهم. “ما الذي يجعل هذه الأعشاش الأولى غير مرئية في بداية النضال؟ هو دعم الشعب”. خلال هذه الفترة، يعمل الكريلا بين الشعب، ويجندون مقاتلين جدد ويؤسسون قواعدهم في المناطق. في المناطق المحررة، كما هو الحال في كوبا، يتم نشر أفكار الثورة، ويتم تدمير الثورة المضادة، أي إنشاء آلية قضائية وإدارية ومالية. من ناحية أخرى يتم خوض صراع لإنشاء المناطق المحررة في جميع أنحاء البلاد، ويتم نشر الأنشطة في مناطق سيطرة العدو.

كثوار تركيا، نستخلص الاستنتاجات المذكورة أعلاه من الثورة الكوبية: مع الأخذ بعين الاعتبار دائماً السيطرة الصارمة للإمبريالية في بلدنا، علينا تقييم جميع التناقضات في العالم بأدق طريقة. إننا نعتبر النضال ضد التحريفية والاستسلامية والانتهازية السائدة في بلادنا، والتي تشكل عائقاً أمام الحركة الثورية العالمية، أمراً ضرورياً لصحة حركتنا ونجاحها.

ولن نخطئ إذا ربطنا وجهات نظرنا بشأن الثورة الكوبية والممارسة العظيمة للشعب الكوبي بهذه الكلمات: “إن الشعب الكوبي، تحت القيادة القوية للمنظمات الثورية المتحدة الكوبية والحكومة الكوبية برئاسة فيدل كاسترو، يمر بأكثر الظروف تعقيداً وصعوبة… لقد حقق انتصاراً عظيماً آخر في النضال ضد الإمبريالية الأمريكية… إن الحكومة الصينية والشعب الصيني يدعمون بحزم النضال البطولي للشعب الكوبي والخط الصحيح الذي تتبعه المنظمات الثورية المتحدة وحكومة كوبا…”. [43]

إذن هذا هو موقفنا من الثورة الكوبية والنضال الثوري للشعب الكوبي الباسل. وليس موقف “المجمع الماوي” للانتهازية الجديدة!

(*) نُشِرَ مقال حسين جواهير “حول الثورة الكوبية” لأول مرة في العدد 23 من ASD (مجلة أيدينليك الاشتراكية) في سبتمبر/أيلول 1970.

الحواشي:

[1] للحصول على أمثلة، انظر العدد 1 من ÖNCÜ (أونجو) والعدد 20 من أيدينليك.

[2] ماهير چايان، أيدينليك العدد 15، ص 192.

[3] شاهين ألباي، “حول نظام تركيا”، أيدينليك العدد 12، ص 476.

[4] شاهين ألباي، المرجع نفسه، ص 464.

[5] شاهين ألباي، المرجع نفسه، خليل بركتاي، “المفهوم العلمي للثورة الاشتراكية”، أيدينليك العدد 14.

[6] للحصول على نقدٍ أوسع لهذا الاقتراح ووصفٍ أكثر تفصيلاً لجهود راديكاليي البرجوازية الصغيرة لخلق ميلٍ في صفوفنا لصالحهم، انظر العددين 15 و20 من أيدينليك، كتابات ماهير چايان.

[7] مظفر أردوست، “نقد الانتهازية الجديدة”، أيدينليك العدد 19.

[8] الأعداد 15، 16، 17، 19، 20 من أيدينليك؛ كتابات مختلفة.

[9] ماو تسي-تونغ، النظرية والممارسة، ص 9-10.

[10] خليل بركتاي، “المفهوم العلمي للثورة الاشتراكية”، أيدينليك العدد 14، الصفحة 147

[11] ماو تسي-تونغ، النظرية والممارسة، صفحة 10.

[12] خليل بركتاي، “المفهوم العلمي للثورة الاشتراكية”، أيدينليك العدد 14، ص 152.

[13] لينين، تكتيكان، صفحة 8.

[14] ماو تسي-تونغ، النظرية والممارسة، صفحة 87.

[15] ستالين، مبادئ اللينينية، ص 100. انظر أيضاً الصفحة 153 ومتابعة نفس الكتاب.

[16] فيدل كاسترو، الثورة الاشتراكية، صفحة 35: أيوب شخصية توراتية. يختبره الله ويلقي به في البؤس. لكن أيوب يُظهِر خضوعاً مثالياً.

[17] أيدينليك، العدد 1، ص 13.

[18] خليل بركتاي، “الخط الثوري البروليتاري وبعض الميول الخاطئة”، PDA (أيدينليك البروليتارية الثورية) العدد 2-16، صفحة 301.

[19] ماو تسي-تونغ، النظرية والممارسة، ص 14-15

[20] ليو هوبرمان، باول سويزي، “ريجيس ديبراي في نقاط قوته وضعفه”، Monthly Review، يوليو/تموز – أغسطس/آب 1968.

[21] المرجع نفسه.

[22] المرجع نفسه. (وُضِعَ التسطير من قِبَلِنا – حسين جواهير)

[23] أندريه غوندر فرانك، س. آ. شاه، “الطبقة، السياسة وديبراي”، Monthly Review، يوليو/تموز – أغسطس/آب 1968.

[24] المرجع نفسه.

[25] المرجع نفسه.

[26] المرجع نفسه.

[27] كليا سيلفا، “أخطاء نظرية فوكو”، Monthly Review، يوليو/تموز – أغسطس/آب 1968.

[28] خوليو أروندي، سيمون توريس، “ديبراي والتجربة الكوبية”، Monthly Review، يوليو/تموز – أغسطس/آب 1968.

[29] المرجع نفسه.

[30] فيدل كاسترو، الثورة الاشتراكية، صفحة 90.

[31] شاهين ألباي، “حول نظام تركيا، أيدينليك، العدد 12، ص 461. شاهين ألباي نفسه يُظهِر كتاب كاسترو من بين الكتب التي يجب قراءتها في العنوان الفرعي للثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية من مقالته بعنوان “التدريب النظري الثوري” في العدد 2 من أيدينليك.

[32] إعلان هاڤانا الثاني، نداء الشعب الكوبي إلى شعوب أمريكا والعالم، 4 فبراير/شباط 1962.

[33] حقيقة أنهم ينحتون كلماتِ ثوري برجوازي صغير في أنفسهم، وأنهم يحاولون إنكار مقترحات وممارسات الثوريين البروليتاريين مثل فيدل وغيفارا، يثبت فقط أنهم يريدون إدخال أيديولوجية البرجوازية الصغيرة في صفوفنا.

[34] تشارلز بيتلهايم، تخطيط الاقتصاد الكوبي، مكتبة أتاج، صفحة 53.

[35] “مسار الثورة الهندوراسية”، إلاري، العدد 3.

[36] شاهين ألباي، “الطبقة العاملة والثورة القومية (الوطنية) الديمقراطية”، PDA، العدد 3-17، ص 367.

[37] إعلان هاڤانا الثاني، نداء الشعب الكوبي إلى شعوب أمريكا والعالم. (التسطير من قِبَلِنا- حسين جواهير).

[38] خليل بركتاي، “الخط الثوري البروليتاري وبعض الميول الخاطئة”، PDA، العدد 2-16 صفحة 303.

[39] تشي غيفارا، كتابات سياسية، منشورات أكيم، صفحة 106.

[40] إعلان هاڤانا الثاني، نداء الشعب الكوبي إلى شعوب أمريكا والعالم، 4 فبراير/شباط 1962.

[41] إعلان هاڤانا الثاني، نداء الشعب الكوبي إلى شعوب أمريكا والعالم، 4 فبراير/شباط 1962.

[42] خوليو أروندي، سيمون توريس، “ديبراي والتجربة الكوبية”، Monthly Review، يوليو/تموز – أغسطس/آب 1968.

[43] يا عمال جميع البلدان اتّحِدوا، ص 18-19. (الخط الغامق عائد لنا- حسين جواهير).


ترجمة من تركي ألى عربي محمد كمال

-المكتب الإعلامي لجبهة الثورة في الشرق الأوسط- [أكتوبر 2023]

التعليقات (0)
اضف تعليق