موقع اممي ثوري ثقافي مناهض للامبريالية ومناصر لقضايا الشعوب حول العالم.

تصرفات حلف الشمال الأطلسي العسكري وسلوكياته تجاه الشرق الأوسط

297
image_pdf

تحت العنوان أعلاه كتب المحلل السياسي، رامي الشاعر، في صحيفة “زافترا” حول تصرفات حلف الناتو تجاه ما يدور من مشكلات حول العالم، ودوره في الأزمات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط.

وجاء في المقال:

ألقى رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، كلمة في المؤتمر الصحفي الذي عقد في ختام  القمة اليوبيلية  للناتو في لندن، أعلن فيها بأن الناتو هو أنجح منظمة في العالم، وأكثرها تلاحماً طوال مدة عملها ووجودها على مدى 70 عاماً.

وقد تم الترويج لهذا التصريح وأعيد نشره على الفور مراراً وتكراراً في المملكة المتحدة وكل أوروبا برمتها، وتفاعل معه الساسة من الدول الغربية وعسكريوها، بطبيعة الحال، خاصة تلك الدول التي تسعى بكل الطرق لاسترضاء واشنطن، وشاركت بالفعل في تنفيذ المغامرات الأمريكية ضد البلدان المستقلة في شتى أصقاع العالم بهدف واحد، ألا وهو تدنيس استقلالها السياسي والاقتصادي، والنيل منهما بقوة السلاح.

لا يسعنى هنا إلا أن أضع علامة استفهام على الزعم بـ “تلاحم الناتو”، فالكل يرى ويعلم أن نهج الناتو لا يلقي الرضى والقبول من جميع أعضائه. وأتساءل هنا عن النجاحات يتحدث رئيس الوزراء البريطاني: هل يعني بها قصف يوغوسلافيا المستقلة، وانتهاك القانون الدولي، وما أسفر عنه ذلك من قتل للأبرياء من السكان المسالمين، ودمار مروع للبنية التحتية، والجسور والمباني السكنية، ومحطات توليد الكهرباء، وأبراج التلفزيون؟!

أم هو يذكرنا بتصريحات جنرالات الناتو، ممن أعلنوا دون مواربة أنهم سيعيدون “بلغراد وكل صربيا إلى العصر الحجري”! لقد أسفرت ضربات الناتو واعتداءاته المسلحة عن مقتل أكثر من 140 ألف شخص.

أو ربما هناك نجاح آخر، يود جونسون تذكيرنا به، مثل تدمير الدولة الليبية، وترك زعيمها ضحية لافتراس ذئاب متوحشين في رداء البشر.

يحاولون في الغرب إخفاء حقيقة مقتل مالا يقل عن 100 ألف مواطن ليبي، جراء اعتداءات الناتو على وطنهم، الذي يعاني حتى يومنا هذا من عدم الاستقرار، والفرقة بين أبنائه. وأكثر ما يثير الحنق تصريحات الحلف الوقحة بأن الناتو قام بهذه التصرفات في يوغوسلافيا وليبيا من أجل حماية السكان الآمنين من بطش السلطات.

ومن مسلسل هذا التبجح السافر، والزعم بنجاحات الناتو، نشير أيضاً إلى اتهام الولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو الأخرى العراق بامتلاكه أسلحة دمار شامل، والكل يذكر أنبوب الاختبار المعملي المعبأ بمياه الصابون، الذ كان يلوح به وزير الخارجية الأمريكي أمام الجميع، كدليل على صدق الاتهام، واتخذه ذريعة لغزو العراق واحتلاله، ما أسفر عن مقتل حوالي مليون مواطن عراقي. هل كل ذلك هو ما يعده جونسون نجاحا؟!

أقولها بالفم الملآن، وليعذرني القارئ، بأن نجاحات الناتو هي دماء بريئة، تسال دوماً، أينما تظهر قوات الناتو.

ويلفت النظر الآن، اقتراب الناتو من حدود روسيا بشكل لصيق ومحكم، مع ترديد صيحات في قمة الناتو حول “عدوانية روسيا”. فهل يصدق أحد اليوم ادعاءات الناتو حول نية روسيا الاعتداء عليه؟! في اعتقادي، لم يعد هناك سذج في العالم تنطلي عليهم هذه الادعاءات الغريبة.

وعلى أية حال، أود التركيز في مقالي هذا على ما تحيكه الولايات المتحدة الأمريكية والناتو لبلداننا في الشرق الأوسط. وابدأ بالتأكيد على أن هدف الولايات المتحدة ودول الناتو من وراء الدعاية التي تبثها ليل نهار، وتروجها كل وسائل الإعلام الأمريكية والغربية، هو إقناع شعوبنا بأن لثرواتها النفطية تقديرا ومكانة عاليين لدى أمريكا وحلفائها، ولذا فأنهم ليسوا فقط مستعدين للدفاع عن بلدان الشرق الأوسط، بل وجاهزون أيضاً لتزويدها بأحدث الأسلحة لحماية نفسها.

والتركيز على تمرير هذه الفكرة يجري بشكل خاص في تلك الدول الشرق أوسطية، التي تتمتع بمخزون كبير من ثروات النفط والغاز، وفي سبيل تحقيق هدفها تلجأ الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى شتى المؤامرات والدسائس، وإلى التدخل السافر في شؤون بلدان الشرق الأوسط. وهناك أدلة دامغة على ذلك، يمكن أن نشير إلى بعضها، مثل الوقائع التي شهدها القرن العشرون، وأبرزها: حرب الجزائر، وإنزال المشاة البحرية الأمريكية والفرنسية في لبنان، واغتصاب الإنكليز لعدن، والعدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي “الإسرائيلي” على مصر، وغيرها من الاعتداءات المسلحة والتدخل في شؤون بلدان المنطقة. ومما يلفت النظر أن هذا التدخل يجري بشكل سافر ومباشر باستخدام القوات المسلحة للناتو، وبشكل غير مباشر من خلال الاستعانة بالحلفاء والعملاء والمرتزقة في المنطقة، لتدبير الانقلابات والثورات الملونة. وليس هناك أبسط وأسهل من العثور على الحجة والمبرر لهذا التدخل، الذي يسبقه ترويج واسع من وسائل الإعلام الأمريكية الكاذبة.

وبالطبع يركز الناتو جل اهتمامه على المناطق الغنية بالثروات المعدنية، بل وتفقد الولايات المتحدة والناتو توازنهما، إذا ما خص الأمر ثروات النفط والغاز، حيث نذكر جميعاً جموع ممثلي شركات النفط الغربية المتوالية على العراق عقب أسبوع واحد من غزوه، مثلما نذكر بريق أعين رجال أعمال الناتو، عندما أطيح بحكومة القذافي، والشيء نفسه يقال بالنسبة لسوريا. وأود هنا أن استشهد بما لمسناه مؤخراً من سلوك، يدل دلالة ساطعة على الموقف الحقيقي للعالم الغربي من الثروات الوطنية لبلدان الشرق الأوسط.

هل نسي القراء عدد المرات التي أعلن فيها الأمريكيون، وترامب شخصياً، على الملأ عن سحب القوات الأمريكية من سوريا؟! الأمريكان لم يكتفوا بالحنث بوعودهم، بل بقوا واستولوا على آبار النفط السورية، والآن يقومون باستغلالها لحسابهم، دون وازع من ضمير، ودون أي حساب للسوريين أصحاب هذا النفط، الذين يحتاجون كل قطرة منه لإعادة بناء بلادهم واقتصادهم.

وإزاء ما نراه اليوم، فإننا على مدى السنوات الطويلة، التي كنت فيها دبلوماسياً وكاتباً ومحللاً سياسياً، لم أر مثل هذا الفجور والاستهانة من لص عتيد: اقتحم بيتاً، لم يدع إليه، مهدداً أهله بالسلاح، ليستولي على ممتلكاته، بل وأكثر من ذلك، يعتبر نفسه سيداً في هذا البيت، ويستغل لنفسه أغلى ما فيه من ثروات!

وبينما يحتاج شعب سوريا لكل ما يعينه على إعادة بناء المناطق، التي تعاني من الجوع والبرد والتشرد بين سكانها، تسلك أمريكا الديمقراطية هذا السلوك، الذي يظهر بوضوح وجهها القبيح، لتسرق وتنهب دون وازع من ضمير نفط السوريين، تاركة الآلاف منهم فريسة للموت جوعاً.

ولذا، أرى وأؤكد بأن كل ما يجري في سوريا الآن، وكل ما جرى فيها منذ اليوم الأول لاندلاع الأحداث التي شهدتها ومرت بها، يجب أن يصبح درساً لكل البلدان العربية، ولكل العرب. فأولاً، أثبت ظهور (داعش) وحلفائها للعرب، ولكل البشرية، بأنه من الممكن في القرن الحادي والعشرين، وبمساعدة أحط القوى وأكثرها وضاعة وخسة، أن تولد وتظهر مثل هذه التشكيلات المرعبة المعادية للبشرية، المدربة والمسلحة جيداً، القادرة على خوض قتال شرس ضد جيش دولة بالكامل. وثانياً يمكن أن تتورط في مثل هذه الحرب قوى أخرى، راديكالية ومعارضة بالدرجة الأولى. وهنا تسنح الفرصة لتجار الموت الجشعين، لتقديم العون للإرهابيين على احتلال واغتصاب مناطق كاملة من البلاد. وأخيراً نرى كيف يتحول الإرهابيون إلى أبطال، بل والى ضحايا أبرياء على يد الدعاية الواسعة، والإعلام الكاذب، في وسائل الإعلام الغربية والعميلة للغرب.

وعلى أية حال، فإن أكثر ما يقلقني اليوم، ويقلق أصدقاء سوريا، هو عدم التوصل إلى سلام واتفاق حتى الآن بين طرفيها المتخاصمين، وأحدهما – السلطة السورية.

في حين قد آن الأوان منذ وقت طويل للتوصل إلى اتفاق بينهما، لن تتمكن البلاد من دونه ببدء المرحلة التي طال انتظارها طويلاً، لإعادة البناء ومداواة الجروح التي خلفتها الحرب. وأكثر من يعاني من ويلات هذه الحرب ومن جرائم الإرهابيين هم الناس البسطاء في سوريا، الذين يعتبرون معدومين من كل شيء تقريباً، بينما يواصل الساسة من كلا الجانبين التراشق بالكلام والعبارات الرنانة، وكلما احتد النقاش وارتفعت الملاسنات بينهما كلما ساء وضع الشعب، خاصة الأكثر تضرراً من ويلات الحرب، في حين يزداد الفساد الآن في البلاد، وتظهر من جديد جماعات إجرامية منظمة، تزداد قوة وجبروتاً بمرور الوقت، وتستولي على الأسواق وتسيطر على التجارة فيها.

لكن أخطر ما تشهده المفاوضات، حسب رأيي، هو إصرار السلطات السورية على طرح شروط مسبقة، لا يمكن أن تقبل بها المعارضة. حيث تصر الحكومة السورية في المقام الأول على تصنيف كل من يحمل أو حمل السلاح أثناء النزاع باعتباره ارهابياً، وبذلك تنفي بالكامل العفو العام عن أولئك الذين قاتلوا ضد السلطة.

مثل هذا الشرط التمهيدي لا يعرقل فقط عملية التوصل إلى وضع دستور جديد، بل ويعيق أيضاً ويعرقل كل العملية السلمية، ويعطي المبرر لدول الناتو لاتهام الرئيس السوري وأعوانه بالعجز عن التوصل إلى اتفاق مع معارضيه.

ولقد سبق لي في إحدى مقالاتي أن ناشدت القيادة السورية بأن تحرص على أن يكون مستشارو الوفد السوري ليسوا سياسيين، بل علماء وقانونيون وخبراء في علم السكان (ديموغرافيون) وخبراء في علم الشعوب والقوميات (إثنوغرافيون)، وكذلك خبراء في علم السياسة. لأن خبرتهم ومعارفهم وفهمهم للوضع في البلاد سيساعد كثيراً على تحريك المفاوضات ودفعها للأمام، وسيلطف أجواء النقاش ويقلل من توتره، خاصة أثناء وضع الشروط، واختيار الصياغات الملائمة. ولقد دعوت الرئيس السوري إلى إبداء اهتمامه الكبير بمسيرة المفاوضات، والتعمق في مراعاة موقف المعارضين، والتخلي عن كل ما يطيل أمد التفاوض، وكل ما يهدد بإحباط المفاوضات أو وقفها. ولا أجدني مغالياً، اذا ما قلت بأن الاستمرار في شغل هذا الموقف الصارم تجاه العديد من البنود سيلحق ضرراً بليغاً بعملية تحقيق السلم في البلاد.

بل وناشدت الرئيس السوري أيضاً بأن يكون أكثر دبلوماسية تجاه زعماء الدول التي ساهمت في تحقيق عملية المصالحة، وأصبحت ضامنة لها، وتمكنت من وقف التطور الخطير للأحداث في المناطق الشمالية من البلاد، وبالتحديد في أراضي الأكراد. ففي ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها سوريا، لا يجوز بأي حال من الأحوال أن ترتكب ما يسيء، أو يؤدي إلى تدهور علاقاتها مع الدولة الضامنة (لعملية أستانا)، والتي نجحت في التوصل إلى اتفاقات بالغة الأهمية بالنسبة لسوريا”.

 

المصدر : روسيا اليوم

image_pdf
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.