موقع اممي ثوري ثقافي مناهض للامبريالية ومناصر لقضايا الشعوب حول العالم.

صفقة القرن تصطدم بـ”طريق مسدود” .. وسياسيون: المرجعية الأمريكية “أحادية الجانب”

333
image_pdf

فلسطين | الحلول المطروحة لوضع حل نهائي للقضية الفلسطينية، تكاد تموت قبل أن تولد ويكتب لها الحياة، ذلك أن المبادرات التي تظهر على شاشات التلفاز أو تفرد لها صفحات في الصحف وتأتي في صيغة دراسات وكتب أو مقالات متضمنة وضع حل جذري لأم القضايا “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي” إنما تولد من رحم إسرائيلية أو أمريكية.

وإذا ما بدا أن ثمة ارتباط وثيق بين المصالح الأمريكية الإسرائيلية، فإن الإدارة الأمريكية تحرص على الدوام تقديم كل ما يدفع في النحو الذي يخدم إسرائيل، وهو ما ظهر جلياً في حالة التعنت الأمريكية خلال العقود الأربعة الماضية ويزيد، من تجاهل واضح لكل الحلول المعتدلة لحل القضية الفلسطينية وأزمة عودة اللاجئين الفلسطينيين، بينما تحاول أن تسطو برأيها وأطروحاتها المزعومة من وقت لآخر، في الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل بأعمالها ضد الفلسطينيين العُزل وتقف صامتة تجاه تلك الممارسات.

وبينما تقدم الولايات المتحدة نفسها أمام العالم، على أنها المدافعة عن الحريات وحقوق الإنسان في كل بلدان الدنيا، فإنها تغض الطرف عن الحق الفلسطيني في الحصول على أدنى حقوقه، ومما لاشك فيه فإن أدوات اللعبة قد تتغير بتغير المصالح، فإن المصالح الأمريكية الإسرائيلية اللصيقة، تقف على مسافة واحدة، أما القضية الفلسطينية فهي تعاني مرارة “وقف الحال”.

مؤخرًا، وفي أعقاب مجيء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على رأس السلطة في الدولة الأكبر في العالم، بدا الرجل منحازًا كثيرًا لإسرائيل، ولم يخف الرجل الأشقر هذا الانحياز بل تتدلى تصريحاته الداعمة لهذا التوجه من آن لآخر.

وفيما سميت بـ”صفقة القرن”، أو ذاك الاتفاق النهائي، فقد جاء مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لحل وإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ليخرج عن السياق الدائر منذ عقود في آلية حل هذا الصراع، فبالرغم من المبادرات القائمة على وضع حل يرضي الطرفين خلال الفترات الماضية، فإن ثمة آلية جديدة يستتبعها أسلوب لي الذراع، جاء بها ترامب لصالح الإسرائيليين وحدهم.

ترامب رأى أن الحل يكمن في خلق وطن بديل لأصحاب الأرض الحقيقيين “الفلسطينيين” خارج الأراضي الفلسطينية، على أن يتم إنهاء حق اللجوء أو حق العودة للفلسطينيين القائمين خارج حدود بلدانهم، واضعًا تصورًا فيما يشبه “العصا والجزرة”، فإما أن يقبل الفلسطينيون بالحل هذا وفي المقابل يحصلون على امتيازات اقتصادية كبيرة، أو خلق مزيد من الأزمات لهم من خلال عقوبات اقتصادية لا طائل لهم بها.

كوشنر يعود بـ”خفي حنين”

لكن تلك المبادرة المكلف بصياغتها كبير مستشاري البيت الأبيض وصهر الرئيس ترامب جاريد كوشنر وفريق آخر يساعده من البيت الأبيض، ومعه جيسون جرينبلات المبعوث الأمريكي الخاص لمنطقة الشرق الأوسط، بجانب الجهود التي يسوقها ويقوم بها السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، بدت تترنح بمرور الوقت، رغم الجولات المكوكية التي يقوم بها صهر ترامب من آن لآخر، لإقناع السلطة الفلسطينية بشكل مباشر بقبول الأمر، أو من خلال وسطاء لدفع عجلة المبادرة للأمام.

وكان من المفترض، طبقًا للجدول الزمني للمبادرة أن يتم الإعلان عن ملامحها النهائية بعد موافقة السلطة الفلسطينية، مع مجيء العام الحالي 2018، لكن الرهانات فيما بدت سقطت وعاد كوشنر وفريقه بـ”خفي حنين”، والوصول بها إلى طريق شبه مسدود.

ملامح الاتفاق

صفقة القرن تتضمن عدة مبادئ أو تصورات، كما هو معلن حتى اللحظة الراهنة، بينها إقامة دولة فلسطينية تشمل حدودها قطاع غزة والمناطق “أ، ب”، وأجزاء من المنطقة “ج” في الضفة الغربية، على أن تقوم عدة دول مانحة بتوفير حزمة تمويلية مقدارها نحو 10 مليارات دولار لتدشين الدولة والبنى التحتية لها، كما تضمنت ملامح الصفقة، تأجيل ملفي وضع القدس وعودة اللاجئين لوقت لاحق، والإعلان عن مفاوضات حول محادثات إقليمية بين إسرائيل والدول العربية.

ابتزاز أمريكي لقبول الصفقة

لم تتوقف الولايات المتحدة عن أدوات الابتزاز التي تظهرها من آن لآخر، من أجل قبول السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس أبو مازن بقبول صفقة القرن، فمنذ أعلنت عنها وهي تتخذ عدة قرارات من شأنها ليست إثارة الفلسطينيين وحدهم وإنما المجتمع الدولي ككل.

في الشهرين الأخيرين من العام المنصرم، أظهرت الولايات المتحدة انحيازها الواضح لإسرائيل وعدوانها الصارخ تجاه الفلسطينيين استتبعتها بعدة قرارات متعنتة، جاء أبرزها في السادس من ديسمبر للعام 2017 الإعلان الرسمي بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وهو ما دفع بانتفاضة المجتمع الدولي تجاه القرار، بينما أطلق على القمة العربية بالظهران التي عقدت بالمملكة العربية السعودية في إبريل الماضي بـ”قمة القدس” لمناقشة تداعيات القرار.

قبيل الإعلان الأمريكي على لسان رئيسه، بأن تكون القدس عاصمة لإسرائيل، فإن ثمة قرار آخر أظهر التحيز الأمريكي لإسرائيل، وأخذ من قبيل الضغط الأمريكي على السلطة الفلسطينية لاسيما في ظل حصارها بقرارات ضدها، حيث أعلنت واشنطن انسحابها من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، في اكتوبر 2017، واتهمت بأنها “معادية لإسرائيل”، وانسحبت إسرائيل كذلك من المنظمة، لكن القرار الغريب الذي أثار لغطًاً غير مسبوقٍ ذاك الإعلان الأمريكي بعدم التوقيع على مذكرة إبقاء بعثة منظمة التحرير الفلسطينية مفتوحة في العاصمة واشنطن.

رياح معاكسة

لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فإن تلك القرارات رغم قساوتها، جاءت في صالح السلطة الفلسطينية، التي اكتسبت تعاطفًا ملفتًا من المجتمع الدولي، الذي أظهر رفضه للقرارات الأمريكية المتتالية التي تمثل عقابًا غير مبررًا على الفلسطينيين ووقفت حائلًا أمام إتمام صفقة القرن المزعومة، بتلك الرؤيا فند الدكتور طارق فهمي، المحلل السياسي، والباحث في الشئون الأمريكية، واقع الحال الذي وصلت به الإدارة الأمريكية بعد قراراتها التعسفية، فهي لم تنل إلا مزيدًا من السخط أمام المجتمع الدولي والرأي العام العالمي.

“فهمي” رأى في تصريحاته لوكالة أنباء هاوار، أن كل الفرضيات المؤسسة للصفقة المزعومة سقطت بسبب الممارسات الأمريكية، وإصرارها على إتمامها مهما كان الثمن، قائلًا “تلك الفرضيات تم تأسيسها على إرغام السلطة بالقبول وهو ما لم ولن يحدث، لاسيما وأن محمود عباس لا يريد أن يظهر أمام شعبه في صورة الخانع لتلك القرارات، خاصة أن موقفه بعد تجميد مكتب منظمة السلطة الفلسطينية بواشنطن، الذي قابله بقرار مفاده قطع كل الاتصالات السياسية مع أمريكا قوبل بتهليل مجتمع داخل الأوساط الفلسطينية، وهو ما لا يريد أن يخسره من تأييد شعبي مهما كان الثمن”.

وفيما يتعلق بالرهانات على الوسطاء المتحالفين مع الولايات المتحدة، بالضغط على أبو مازن بالقبول، يرى المحلل السياسي، أن ثمة مياه راكدة في هذا الأمر، ولم يطفو بعد إعلان رسمي بذلك، ما يعني أن الحلفاء في المنطقة يرفضون هذه الصفقة، لأنهم يعلمون يقينًا أن تلك الصفقة ما هي إلا مزيد من التعنت الإسرائيلي في المنطقة وهو مالم يقبل به قادة العرب.

فيما يرى مراقبون، أن أحد أسس فشل الرؤية الأمريكية لحل الصراع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هو خروج إدارة ترامب عن السياق المتعارف عليه دوليًا في حل الأزمة، لاسيما وضع سبل لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لتلك الأراضي الفلسطينية، التي احتلها وبسط يده عليها عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، وحاولت أن تفرض مرجعيات جديدة أحادية الجانب دون الرجوع لأي من الأطراف الفاعلة سوى إسرائيل.

صفقة مشبوهة

ذاك السياق، يتوافق مع الرأي الذي طرحه عضو اللجنة المركزية بحركة فتح محمد أشتية، في معرض حديثه لـ “هاوار” عن صفقة القرن، والتي وصفها بـ”المشبوهة”، لاسيما وأن خيار القيادة الفلسطينية، لن يتم إثناؤه عما يراه صالحًا لدولته، والذي يعد ثابتًا في هذا الإطار، بأن المفاوضات في هذا الشأن يجب ألا تخرج على أدبيات ومرجعيات القانون الدولي.

ويرى بهجت العبيدي، الكاتب السياسي، أن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، والتي جاء آخرها ما يحدث في منطقة الخان الأحمر، من تطهير عرقي، تزيد الأمر تعقيدًا لحل الصراع الدائر، ويقول إن “على إسرائيل أن تكف عن ممارساتها الإجرامية أولًا، ثم الجلوس على مائدة مفاوضات يتم من خلالها وضع أطروحات يقبل بها الطرفان، وليس طرفاً واحداً كما هو دائر الآن”.

ولفت العبيدي، أن موقف مصر من القضية الفلسطينية ثابت، وأعلنه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مرارًا بأنه مستعد للعب دور رئيسي لحل الأزمة، وهو ما رحبت به السلطة الفلسطينية، من أجل تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة.

وتستند رؤية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إلى ضرورة إجراء محادثات مباشرة، للتوصل لاتفاق لحل الدولتين، من أجل إيجاد أمل للفلسطينيين، وأمان للإسرائيليين، دون التطرق لنزاعات تؤدي إلى زعزعة المشهد والدخول في صراعات لا تؤدي إلا لأزمات متتاليات.

ويبقى القول، في أن الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية وما يلقى قبولًا إسرائيليًا بالتتابع، يشي برفض إسرائيل لقبول حل الدولتين، وإنما قيام دولة إسرائيل على كامل الأراضي الفلسطينية، وإن ثمة صراعات تنتظر هذا الملف الشائك قد تودي بهلاك الآلاف من الجانبين، ما إذا أصرت إسرائيل على الاستمرار في سياساتها.

المصدر : وكالات 

image_pdf
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.