المجتمع وحق التملك
تحديد الحق الاجتماعي في تملك وسائل الإنتاج في المجتمعات الحالية يعاني قدراً كبيراً من اللبس.
وهذا اللبس ناتج في حقيقته عن اعتبار النظام الرأسمالي نهاية تطور المجتمعات البشرية وأنه نظاماً لا يمكن للمجتمعات البشرية أبداً أن تتجاوزه وهذا بالطبع إدعاء لا يمكن البرهنة عليه ولا يقوم على أي شواهد تدعمه بل على العكس فإن شواهد كثيرة تنقده.
ويحكي لنا التاريخ أنه سبق أن وجد في كل عصر أناساً رجعيين ظنو بمحدودية عقولهم أن انظمتهم القائمة هي نهاية التطور وأن البشرية قد أفلست ، ولكن قطار التطور كان دائماً ما يستمر في التقدم و يدهس أفكارهم دون رحمة ، وسيستمر القطار لا محالة و سيدهس أفكار ذاك البرجوازي الصغير الذي يعتقد أن لا بديل محتمل للرأسمالية كما دهس من قبل افكار أفلاطون الذي كان يعتقد أن هناك عبداً بالفطرة وحراً بالفطرة دون أن يدرك أن الواقع الاجتماعي هو من يجعل العبد عبداً والحر حراً كما يجعل الأن البرجوازي برجوازياً والعامل المُستغل عاملاً مُستغلاً ، أو كما تجاوز قطار التقدم رؤية ذاك الاقطاعي القروأوسطي الذي عجز عن أن يتصور مجتمعاً لا يقوم على دماء العبيد والأقنان.
وتظهر الفوضى التي تنتاب أسس تحديد الحق الأجتماعي في السيطرة على وسائل الإنتاج بسبب الرغبة الجامحة في لوي وتحريف الواقع والتلاعب به ليتناسب مع أسس النظام الرأسمالي ، فهم بدلاً من أن يحددون النظام المُتبع وفقا للحق الاجتماعي يحددون الحق الأجتماعي وفقاً للنظام الذي يُلائم أهوائهم ومصالحهم.
فبالرغم من أن الحق الإجتماعي يقر مساواة جميع أفراد المجتمع إلا أن هذه الأقرار يظل شكلياً في مجتمع يتبع نظام توريث الثروة فيولد مواطناً يملك كل شئ ومواطناً لا يملك شئ وتظل تلك الثروات تورث أجيال عبر أجيال بدون أي سند أو معنى في ظل نظام يدعي مساواة ظاهرية شكلية، وتظل المحددات والأطر المشروعة لأكتساب الثروة في المجتمع الرأسمالي أسساً اعتباطية من جانب الحق الأجتماعي ولا يمكن فهما ألا من جانب مصلحة البرجوازية.
فالنصب والأحتيال جريمة يعاقب عليها القانون إذا ناقد مصالح الطبقة الأستغلالية ولكن الاحتيال الذي يصب في صالح البرجوازية يصبح ذكائاً وإجتهاداً بل وعلماً يُدرس وتوضع فيه نظريات كعلم التسويق حيث يصبح خداع المستهلك والتلاعب به عن طريق أستغالال نقائصه الشخصية ونقاط الضعف النفسية الكامنة في الجنس البشري أمراً مباحاً ، ويبررون هذا الأحتيال والأستغلال تحت مسمى حق أستخدم الذكاء لتحقيق مكاسب شخصية وان المستهلك هو المخطئ لأنه فشل في تحديد أولوياته و في تقييم السلعة بشكل صحيح ، ولكن بنفس المنطق ما الذي أذاً يجعل الشخص الذي أحتال وسرق أموال أحد البنوك أو الشركات مجرماً ويعاقب بالقانون ؟
أوليس هو أيضاً قد استغل ذكائه لتحقيق مكسب شخصي ! وهذه الجهة المالية التي تعرضت للنصب هي المخطئة لأنها أنساقت وراء خداع هذا المُحتال وفشلت في تأمين أموالها ومصالحها ؟
أن الحقيقة تكمن في أن المحدد الوحيد للكسب المشروع أو الغير مشروع هو مدى توافقه مع طبيعة النظام الرأسمالي ، فالاحتيال الذي يتوافق مع النظام يصبح مشروعاً والذي يناقده يصبح غير شرعي ، أما لو نظرنا من جهة الحق الأجتماعي يصبح النظام بأكمله غير شرعي ولا يقر ألا عدالة وحرية ومساوة صورية.
فلا يمكننا أن نعتبر أستغالا نقاط الضعف النفسية للأطفال والنساء والرجال على حداً سواء لترويج السلع وتحقيق مكاسب شخصية أمراً محموداً، ولا يمكننا أن نعتبر أستغلال الجنس وتسليع أجساد النساء ترويجاً لبضاعة البرجوازي وتحقيقاً لمكاسبه الشخصية شيئاً مشروعاً، ولا يمكننا أن نعتبر غياب العدالة والطبقية وعبادة المال وعصر العامل لتحقيق أكبر فائض قيمة مجرد عراضاً جانبية وشراً لابد منه وعلينا أن نرضى به ونستسلم أمامه بكل بساطة ، بل علينا دائماً أن نسعى ألى تحقيق التوازن وتخطي النظم الرجعية و النظر دائماً ألى الامام لا إلى الخلف أو إلى الأسفل ، فلا يمكن للتاريخ أن يعود للخلف ولا أن يظل واقفاً في مكانه دون أي تقدم بل وجهته دائماً للأمام .