موقع اممي ثوري ثقافي مناهض للامبريالية ومناصر لقضايا الشعوب حول العالم.

أزمة العمل النقابي والمهام المطروحة

375
image_pdf

لا أحد اليوم يجادل في كون العمل النقابي يعيش أزمة على مستويات عدة لعل أبرزها يتجلى في ضعف التنقيب بين العمال سواء في القطاع العام أو الخاص.

وهو أمر راجع للتراكمات السلبية الحاصلة في هذا المجال من تنامي البيروقراطية وغياب الديمقراطية الداخلية وفصل العمل النقابي عن السياسي وارتباطه بالحزبي الضيق الذي يخدم مصالح الطبقة السائدة, إضافة إلى عوامل أخرى تكمن في ضعف الوعي النقابي لدى العمال وسيطرة أرباب العمل الذين يمتلكون وسائل الإنتاج وكل أدوات السيطرة بما فيها امتلاك مؤسسات تشرعن الاستغلال بأبشع تجلياته, أضف إلى ذلك هجوم النظام على العمل النقابي وتسييد ثقافة التيئيس وسط الطبقة العاملة ودعم البيروقراطية والتدخل في الشؤون الداخلية للنقابات عبر طبخ المؤتمرات والترويج لشعار السلم الاجتماعي وكبح كل محاولات بناء توجه نقابي جاد داخل المركزيات النقابية أو القطاعية ومحاربتها بشتى الوسائل والطرق قصد تمطيط عمر البيروقراطية الجاثمة على صدور ملايين العاملات والعمال.

ودون أن نغفل سيطرة نظرة النقابة الضيقة التي تتجلى في نهج سياسة الخبز منذ 1961, كشكل من أشكال تحييد الطبقة العاملة عن الصراع السياسي والإعلان عن الاستقالة التامة و المهام الأساسية للحركة النقابية. وهو ما يظهر جليا في العديد من المحطات التاريخية و المفصلية في تاريخ الحركة النقابية المغربية, وكان أبرزها حراك 20 فبراير وحراك الريف وجرادة وغيرها من هبة الهوامش التي لاذت فيها الحركة النقابية –التوجهات البيروقراطية- الى لعب دور الرسول, بدل التحيز الى مطالب الطبقة العاملة وتنفيذ مهماتها الأساسية تجاهها كما وقع في بلاد الياسمين والدور المساهم للحركة النقابية التونسية بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل في إسقاط نظام بن علي إلى جانب كل القوى الديمقراطية الحية بتونس.

وهو الدور المعكوس الذي قامت به البيروقراطية النقابية بالمغرب والمتمثل في الهرولة إلى طاولة المخزن من أجل “اتفاق الفتات” الذي استفاده المخزن من دروس ثورة تونس بالزيادة في الأجور, وضمن حياد النقابات في الصراع على شاكلة العديد من الأحزاب الموالية لها.

وهو الشيء الذي تلاه تطبيق العديد من المخططات الطبقية والمتمثلة في الاجهاز على جل المكتسبات التاريخية للجماهير الشعبية, كالحق في ممارسة العمل النقابي والاجهاز عليه, وخصوصا في القطاع الخاص الذي يشهد هجوما يوميا على قوت العاملات والعمال في ظل غياب أدنى شروط العمل, واللجوء الى العمل المؤقت(العقدة المحددة) قصد تسهيل طرد العمال ومنعهم من التنظيم النقابي واستنزاف مجهوداتهم في ظل قانون الشغل الذي لايخدم الا الشركات الكبرى وملاك الأراضي وكبار الزراعيين وغيرهم من أرباب العمل الذين يمتصون دماء العمال والعاملات.

وفي القطاع العام تم الاجهاز على حق التقاعد وفرض التوجه نحو استكمال مسلسل الخوصصة الذي بدأته ما سمي بحكومة التناوب بزعامة اشتراكيي المؤسسات في بداية التسعينات بايعاز من الدوائر المالية وعملائهم في الداخل.

كلها عوامل تضع العمل النقابي في مأزق ضد النزعة الاصلاحية التي تتثقل كاهل الحركة النقابية عبر تبني السلم الاجتماعي وفصل النقابة عن الحركة الجماهيرية والاقتصار على المطالب الضيقة في حدود اليومي دون ربطه بحركة الشارع ونبضه, والسبب في ذلك يكمن في طبيعة النقابات الحزبية التي لاتؤمن بمشروع الطبقة العاملة وحزبها الكبير, بل تعتمد على فكرة الانتصار الى فئة مهنية بحد ذاتها وما يضمنه ذلك من تحركات حسب تموقع أحزاب هذه النقابات ومواقفها المتذبذبة.

لذلك فلابد من التنبيه أن رفع شعار الطبقة العاملة يستوجب دراسة عميقة للتشكيلة الاجتماعية المغربية لكون حقل اشتغال النقابات يتسع ويضيق حسب هذه التشكيلة, ولكون العمل النقابي في القطاع الخاص يختلف تمام الاختلاف عن العمل النقابي في القطاع العام, وكذلك فالعمال والفلاحون ليسوا موظفين, وقوانين تنظيم العمل بين القطاعين تختلف بغض النظر عن شروط الاستغلال التي تمارس في كلا القطاعين.وبالتالي فقابلية الانخراط في الحزب المنشوذ يستوجب التوجه نحو العمال والفلاحين والكادحين,دون اغفال الاشتغال في صفوف الطبقة الوسطى لضمان قربها وانتمائها لمواقعها الطبيعية في مواجهة العدو الحقيقي, وضمان وحدة الحركة النقابية وولاءها للمطالب الحقيقة للطبقة العاملة وهي القضاء على الاستغلال.

وعليه فان المهام الملقاة اليوم على الحركة النقابية المغربية كنداء لكل المناضلين والمناضلات هي:

– العمل على التصدي للبيروقراطية عبر تنامي الوعي بأهمية الدور الذي تلعبه الطبقة العاملة في التغيير المنشوذ عبر حزبها المنشوذ.

– دحض كل الطروحات التحريفية داخل النقابات كفصل العمل النقابي عن السياسي (النقابية الضيقة) والسعي نحو ما يسمى بالسلم الاجتماعي والتلويح به كورقة ضغط قصد قضاء المآرب الضيقة للبيروقراطية وتحريك المعارك الواهية التي لا تفيد العمال والعاملات في أي شيء, سوى في اغتناء أمراء التحريفية.

– التشبت بالعمل داخل النقابات وفضح الأساليب اللاخلاقية في العمل النقابي وكل ما يعادي خط الجماهير والارتباط بها.

– التجذر وسط الطبقة العاملة واستقطاب الطلائعيين من العاملات والعمال وفرض حق التنظيم داخل وحدات الانتاج الرأسمالية.

– العمل على تنقيب القطاعات غير المنقبة والرفع من منسوب التعبئة وسطها, واستقطابها لتأسيس حزبها المستقل.

– استحواذ الطبقة العاملة على هياكل النقابات وفرض الديمقراطية الداخلية واستعادة المبادرة.
– خوض صراع بلا هوادة ضد البيروقراطية والانتهازية والوصولية, والاشتغال كمناضلات ومناضلين على أهداف النقابات واعطاء القدوة الحسنة في العمل واستقطاب قاعدة واسعة من العمال والعاملات الى المنظمة النقابية.

– هي مهام مطروحة على كل المناضلين بمختلف مواقعهم في النقابات ليس من أجل تأسيس بديل نقابي بل من أجل الوحدة النقابية ليست وحدة تجمع بل وحدة نضال ووعي, وحدة تعتمد على التراكم, لان المنظمات النقابية ليست ملكا لأي أحد, من غير الطبقة العاملة, وحتى الأمراء الذين سيطروا عليها أفرزهم واقع التراجع والتردي والهجوم المدعوم من طرف النظام المخزني , فيكفي العمل الدؤوب بالتوجه نحو الطبقة العاملة (عمال وفلاحين وعموم الكادحين) والانغراس والتجذر وسطهم وتوعيتهم واستقطابهم الى تأسيس حزبهم المستقل حزب الطبقة العاملة.

هي مهام جسام تتطلب الصبر الوئيد والعمل بالتكتيك والاستراتيجية والوسائل والاهداف المنشودة وسط ركام من النظريات التحريفية التي ليس من أولوياتها تحرير العمال من نير الاضطهاد والاستغلال. وانما استخدام الطبقة العاملة لأغراضها واستعراضاتها ومواقعها ومواقفها فيما يخدم السلم الاجتماعي.

أكيد أن البيروقراطية لا تستسلم لمجرد بروز قوى مناضلة داخل النقابات بل يتقوى دعم النظام لها سواء من الداخل أو الخارج, لذا على المناضلين والمناضلات الا يستسلموا للمواجهة والا يضعوا مشروعهم جانبا الا بمواجهة هذه البيروقراطية بالشراسة اللازمة واضعين في الاعتبار أن مهمة بناء حزب الطبقة العاملة ليس طريقا مفروشا بالورود بل هو طريق وعر وصعب يحتاج الى الصبر والصمود والاصرار.

 

المصدر : الحوار المتمدن –  بقلم : عبد اللطيف اسرار

image_pdf
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.