الانتخابات التركية تحت المجهر
الأنتخابات في التركيا || قامت الجمهورية التركية الحديثة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية التي أفل نجمها بدايات القرن العشرين. حيث شيّدت الجمهورية التركية في 29 أكتوبر 1923، على يد مصطفى كمال أتاتورك، ونُصّب كأول رئيس لها في اليوم التالي (30 أكتوبر)، وظل في منصبه حتى وفاته عام 1938. وقد أصبحت تركيا في عهده أكثر قومية وشوفينية وعلمانية، وخلِفه عصمت إينونو (1938 – 1950) وسار على نهج سلفه، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945) والتي تتوجت بهزيمة هتلر تبنّت تركيا مشروع ماريشال لإعادة إعمار أوروبا عام 1948، وازداد تقاربها مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وانتهجت تركيا خطاً معادياً للاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي وتحالفت وعلى نحواً وثيق متقرباً من المعسكر الغربي، وتشددت أيضاً في التوجه القومي والإغراق في الطورانية، وعمل على تطبيق سياسة التتريك على القوميات الأخرى (الكرد والأرمن ….)، وتعاملت بقسوة معهم حتى أضحت تركيا ذات صبغة قومية عنصرية وعلمانية، وتعهدت بمحاربة كافة التوجهات الدينية والعرقية غير التركية.
وفي عام 1945 انفصل عدنان مندريس هو وثلاثة من رفقائه عن حزب الشعب الجمهوري وأسسوا الحزب الديمقراطي، وبدأ مندريس مرحلة جديدة ومختلفة من نضاله السياسي لإعادة تركيا إلى مسارها الإسلامي. بعد ما أسسوا الحزب الديمقراطي بدأوا في منافسة حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك، والمسيطر على كل شيء في تركيا، ودخل مندريس الانتخابات التركية ببرنامج غريب توقع له كل المحللين السياسيين الفشل الذريع، وكان برنامج مندريس الانتخابي يتلخص في عدة نقاط:
عودة الآذان باللغة العربية – السماح للأتراك بالحج – إنشاء المدارس وتعليم اللغة العربية – إلغاء تدخل الدولة في لباس المرأة – إعطاء الحرية للناس في ممارسة الشعائر والاعتقادات، وبهذا البرنامج البسيط غير المعقد خاض عدنان مندريس وحزبه الانتخابات التركية عام 1950، وكانت المفاجأة المدوية التي هزت كل تركيا هي الفوز الساحق لحزبه الديمقراطي بفارق كبير عن منافسه حزب الشعب الجمهوري، حيث حصل حزب مندريس على 318 مقعداً بينما حصل حزب الشعب الجمهوري على 32 مقعداً فقط، وشكّل عدنان مندريس أول حكومة ديمقراطية في تركيا، وتولى هو رئاسة الوزراء، بينما تولى رئيس حزبه جلال بايار رئاسة الجمهورية، وبدأ مندريس في تنفيذ وعوده الانتخابية، ونتيجة للسياسات القمعية التي مارستها حكومة مندرس قام الجنرال جمال غورسل بأول انقلاب عسكري أطاح بالحكومة المدنية عام 1960 وأعدم مندريس، بعد ذلك شهدت تركيا صراعاً بين الأحزاب المؤيدة للسلطة المطالبة بالعودة إلى نهج الكمالية الأتاتوركية والمعارضة المطالبة بالعودة للنهج الإسلامي، حتى وصل حزب العدالة برئاسة سليمان ديميريل إلى الحكم عام 1965، وانتخب جودت صوناي رئيساً للجمهورية (1966-1973)، وأعقبه انقلاب عسكري آخر بسبب الصراعات بين الإسلاميين والعلمانيين أدى إلى إسقاط حكومة سليمان ديميريل، وفي عام 1974 تأسس ائتلاف حزب الخلاص الوطني الديني المتشكل من نجم الدين أربكان الإسلامي النزعة وبين بولنت أجاويد وريث الأتاتوركية، والذي قاد تركيا إلى غزو قبرص بسبب النزاع الذي حدث بين القبارصة الأتراك، والقبارصة اليونانيين، أعقبه انقلاب عسكري آخر بقيادة الجنرال كنعان أفرين في عام 1980 بحجة زعمهم حماية الفكر الكمالي وتخوفهم من صعود التيار الإسلامي المحافظ، وتم تمديد الأحكام العرفية من 20 محافظة لتشمل عموم المحافظات التركية، فقاموا بحملات اعتقال شملت كافة الشرائح المعارضة لهم من إسلاميين وشيوعيين ….الخ بحسب ادعائهم، وبعد عامين سلم العسكر السلطة للمدنيين بقيادة تورغوت أوزال مع احتفاظهم بالسيطرة على المشهد السياسي بالكامل.
تبنت حكومة تورغوت أوزال برنامجاً اقتصادياً ذا منتفتحاً على العالم بأسره مع الاحتفاظ بالقيم الاجتماعية المحافظة التركية، وقد شهدت تركيا في عهده ازدهاراً اقتصادياً كبيراً، وتحولت بلدات صغيرة مثل عينتاب إلى مدن اقتصادية مزدهرة، وانتهى حكم العسكر في أواخر عام 1983 لتحل محله حالة الطوارئ في يوليو 1987 ولا سيما في شمال كردستان (محافظات جنوب شرق تركيا)، والتي استمرت حتى نوفمبر 2002.
وفي خضم هذه الصراعات بين الأحزاب السياسية والعسكر حول قيادة البلاد والعباد مارست أغلب هذه الحكومات سياسة التطهير العرقي على الشعب الكردي وواجهت الشعب، والحركات الكردية، والانتفاضات بقبضة حديدية ولم تلجأ أبداً إلى التفكير بحل القضية الكردية بالسبل السلمية إلا باستثناء محاولات بسيطة من قبل حكومة أوزال، والتي جوبهت من قبل العسكر وأدت إلى اغتياله، وفي هذا الأثناء بادر الكرد إلى تشكيل الأحزاب السياسية في محاولة منهم لحل القضية الكردية بالوسائل السلمية، ولكن لم تسلم حتى هذه الأحزاب من المحاولات القمعية من قبل الأحزاب الحاكمة، ففي عام 1991 تم انتخاب البرلمانية الكردية ليلى زانا في البرلمان التركي عن حزب العمل الشعبي، وبعد أدائها القسم تحت قبة البرلمان التركي باللغة الكرديّة، وهي تضع على رأسها ألوان العلم الكردي، لكن قسمها هذا قوبل بردود أفعال وتصرفات عنصرية ضدها، داخل وخارج البرلمان، وبعد 3 سنوات (أي في عام 1994) حكم عليها بالسجن لمدة 10 أعوام بتهمة “إلقاء خطابات انفصالية”، ما زاد من حدة التوتر بين الطرفين التركي والكردي، وقد مارس الاتحاد الأوربي ضغوطاً على الحكومات التركية من أجل الإفراج عنها، وقبل انتهاء مدة سجنها تم الإفراج عنها، ولكنها منعت من ممارسة العمل السياسي خوفاً من شعبيتها بين الكرد والترك والدور الذي يمكن أن تلعبه في الانتخابات المقبلة.
وفي انتخابات ديسمبر 1995 حل الإسلاميون أولاً ممثلين بحزب الرفاه لأول مرة في تاريخ الجمهورية بـ 21%، في حين حل حزب الوطن الأم ثانيًا بـ 20%، والطريق القويم بـ 19%، كما حقق المفاجأة أيضاً بولنت أجاويد بحلوله رابعاً بحزبه الجديد اليسار الديمقراطي، ليتفوق على حزب الشعب الجمهوري العلماني الذي حل خامساً، ورُغم تفوق أربكان، إلا أن الحزبين الثاني والثالث المحافظين شكلا الائتلاف السابع عشر في تاريخ الجمهورية، ليستمر ثلاثة أشهر فقط بقيادة مسعود يلماز، ولكن نتيجة الخلافات بين الحزبين انسحبت تانسو تشيلر على إثرها لتشكل ائتلافاً مع حزب الرفاه بقيادة أربكان الذي أمضى عاماً واحداً في السلطة قبل أن يستقيل بناءً على طلب الرئيس سليمان ديميرل، والذي وعده بتشكيل تشيلر لحكومة جديدة سيكون حزبه مشاركاً فيها، غير أن ديميرل، كان خاضعاً لضغوط المؤسسة العسكرية ضد الإسلاميين كما قيل آنذاك فيما عُرف بالانقلاب الناعم، اختار يلماز وحزب الوطن الأم، والذي ائتلف مع أجاويد 1997 حتى 1999 قبل أن يسقط الائتلاف نتيجة فضيحة مالية تضمنت تعاملات الحكومة مع القطاع الخاص، ليفقد الائتلاف ثقته، ويقوم الرئيس باختيار أجاويد ليشكل حكومة أقلية لخمسة أشهر.
أخيراً اتّجه أجاويد لتشكيل ائتلاف مع حزب الحركة القومية بقيادة دولت بخجلي وحزب الوطن الأم بين عامي 1999 و2002 بعد حصوله على أكبر عدد من المقاعد في انتخابات 1999 التي تفتت فيها أصوات اليمين بين أربعة أحزاب، وكان هذا الائتلاف هو الائتلاف العشرون الذي شهدت تركيا تحت حكمه أزمتها الاقتصادية وهبوط قيمة عملتها حتى بدأ ضغط الرأي العام على أجاويد ليستقيل من منصبه حتى من بين العلمانيين، ويدعو لانتخابات مبكرة كتبت نهايته ونهاية كل النخب التسعينية القديمة، وفتحت الباب لحزب العدالة والتنمية.
1 – حزب العدالة والتنمية:
تأسس حزب العدالة والتنمية التركي في الرابع عشر من أغسطس/آب عام 2002 من قبل مجموعة من الأعضاء السابقين في حزب الفضيلة ذي التوجه الاسلامي، الذي تم حله بقرار صدر من المحكمة الدستورية التركية في 22 يونيو/حزيران 2001، وكانوا يمثلون جناح المجددين في حزب الفضيلة. وتؤكد أدبيات الحزب عدم معارضته للعلمانية وللمبادئ التي قامت عليها الجمهورية التركية، كما يؤيد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
انتهج حزب العدالة والتنمية في بدايات تشكيله سياسة انفتاحية على جميع شرائح المجتمع التركي، غير أنه كان يميل إلى الحركات الإسلامية، ويطلب دعمها في حملاته الانتخابية، وخاصة من رجل الدين فتح الله غولن (زعيم حركة الخدمة) الذي دعم رجب طيب أردوغان مؤسس حزب العدالة والتنمية في عام 1997، لكنهما اختلفا بشكل علني في عام 2013 بعد أن كشف قضاة قيل أنهم من أنصار غولن فضيحة فساد داخل أجهزة الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، من جهة أخرى يرى حزب العدالة والتنمية أن تغلغل أنصار حركة الخدمة في مؤسسات الدولة عن طريق أبنائها المخلصين قد وصل إلى مستويات خطيرة، فهم يربطهم الولاء المطلق والإخلاص اللامشروط لغولن وقياديي الحركة، فأصبح للخدمة مريدون في الجيش والقضاء والشرطة والمخابرات والداخلية وكل المواقع، وقد أدى تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في تركيا إلى إجراء انتخابات جديدة في 2002، وتولى على أثرها حزب العدالة والتنمية السلطة، ونال الحزب 34.3 بالمئة من الأصوات، في هذه الانتخابات، وترأس الحكومة في حينها عبد الله غل، نظراً لوجود حظر على مزاولة العمل السياسي لرئيس الحزب رجب طيب أردوغان الذي تولى رئاسة الحكومة في مارس/آذار 2003 بعد إجراء تعديل دستوري، وإعادة الانتخابات العامة في ولاية سرت، ودخوله البرلمان، كما فاز حزب العدالة والتنمية في استفتاءين خلال حياته السياسية، لإجراء تعديلات دستورية، أولها كان عام 2007، وشملت قراراً باختيار رئيس الجمهورية من قبل الشعب مباشرة، بعدما كان البرلمان ينتخب الرئيس، فضلاً عن خفض فترة الانتخابات العامة إلى مرة كل أربعة أعوام، عوضاً عن تنظيمها مرة كل 5 أعوام، وبلغت نسبة الموافقة على التعديلات 65.95 بالمئة، وبعد مرور أربع سنوات للحزب في السلطة جرت انتخابات في عام 2007 وحقق الحزب نسبة 46.66 بالمئة من الأصوات، ليكون بذلك من الأحزاب الحاكمة القليلة التي تمكنت من رفع نسبة أصواتها، وتولى رئاسة الحكومة أردوغان، أما الاستفتاء الثاني فكان عام 2010 حيث صوّت الشعب على حزمة تعديلات بينها السماح بالمراجعات الفردية للمحكمة الدستورية، وإزالة مادة كانت عائقاً أمام محاكمة المتورطين في انقلاب 1980 وفي انتخابات 2011، حقق الحزب 49.83 بالمئة من الأصوات، وواصل أردوغان رئاسته للحكومة، وعقب انتهاء ولاية الرئيس التركي السابق عبدالله غل، رشح العدالة والتنمية رئيس الحزب أردوغان لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية، التي فاز فيها بنسبة 51 %.
ومنذ تلك المرحلة بات الحزب يعاني من أزمات أدت بدورها إلى تراجع شعبيته و لعل من أبرزها:
1ـ العامل الاقتصادي: لقد أدت سياسة أردوغان في التدخل في شؤون الدول العربية، ولا سيما في سورية ومصر بهدف دعم وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة واستعادة الأمجاد العثمانية الغابرة، إلى توتير العلاقات مع الدول العربية، والإجهاز على سياسة صفر مشاكل، التي أدت إلى تحسين العلاقات مع هذه الدول، وإلى إنعاش الاقتصاد التركي، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة بلغت 9 في المئة، واحتلال تركيا المرتبة الـ 17 في الترتيب العالمي.
ونتيجة هذه السياسة انقلب الوضع الاقتصادي رأساً على عقب:
أ ــ حيث سجل النمو الاقتصادي تراجعاً كبيراً من 9 في المئة إلى ما دون الـ 3 في المئة.
ب ــ انخفاض قيمة العملة بنسبة 40 في المئة نتيجة لتراجع الاقتصاد وأدى ذلك إلى تدني القدرة الشرائية للأتراك وتدهور وضعهم المعيشي.
ج ــ ارتفاع نسبة البطالة وتجاوزها عتبة الـ 11 في المئة، وهي نسبة عالية، وتعبّرعن الركود الاقتصادي.
العامل الثاني: أدت سياسة أردوغان، في إثارة النعرات الطائفية والمذهبية في وسط المجتمع التركي إلى إحداث استقطاب حاد لم يعتد عليه الأتراك من قبل، وهو ما أدى إلى توترات وزيادة حدة الأزمة السياسية في البلاد.
العامل الثالث: إفصاح أردوغان عن عزمه الاستئثار بالحكم عبر تعديل الدستور والتحكم بمفاصل السلطة وحصرها بيده كرئيس للجمهورية، أدى إلى استفزاز أحزاب المعارضة وسيادة شعور عام بتهديد النظام الديمقراطي التركي.
العامل الرابع: انتشار فضائح الفساد في بطانة حزب العدالة وحكومته، وبين أفراد عائلة أردوغان، وإقدام الأخير على التدخل في القضاء، والانتقام من بعض القضاة الذين تصدوا لهذه القضايا بإقالتهم، وشن حملة اعتقالات طالت المؤيدين لجماعة عبد الله غولن، التي تحوز على نفوذ واسع في مؤسسات الدولة، لا سيما القضاء والشرطة، وكان لها دورأساسي في كشف هذه الفضائح للرأي العام، الأمر الذي نزع عن حزب العدالة الغطاء الأخلاقي الديني الذي يحتمي خلفه لممارسة الفساد.
العامل الخامس: استعداء الكرد، وذلك نتيجة السياسة العدائية التي تمارسها حكومة أردوغان وإنكار الحقوق القومية للكرد وكذلك عمد أردوغان إلى التآمر ضد الكرد في سورية من خلال دعم داعش وإفساح المجال أمامه للسيطرة على مدينة كوباني واحتلال عفرين وتهديد مناطق شمالي سورية حيث يتواجد الكرد.
وفي الانتخابات العامة عام 2011 تمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على 49.53 % من الأصوات الانتخابية، واستمر على رأس السلطة في تركيا.
وفي عام 2014 دخل العدالة والتنمية آخر انتخابات محلية بقيادة أردوغان، ليتمكن من الفوز بنسبة 38.8 %.
وشهد أغسطس/ آب (2014) إجراء أول انتخابات رئاسية صوّت فيها الشعب في تاريخ الدولة التركية، وفاز بها حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان بأكثر قليلاً من 52 % من الأصوات، ليصبح الرئيس الـ12 لتركيا، وليواصل أحمد داؤود أوغلو، النائب في البرلمان عن حزب العدالة والتنمية، مسيرة قيادة الحزب والحكومة من بعده.
وفي أول انتخابات عامة جرت في عهد رئاسة داؤود أوغلو للحزب، فاز العدالة والتنمية بانتخابات 7 يونيو/ حزيران 2015، بنسبة 40.87 %.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 أعيدت الانتخابات العامة، ليواصل حزب العدالة والتنمية تقدمه مرة أخرى في قيادة تركيا بفوزه في الانتخابات بنسبة 49.49%.
والجدير بالذكر أن إخفاق حزب العدالة والتنمية في الانتخابات النيابية عام 2015 في الحصول على الأغلبية التي تخوله تشكيل الحكومة، أجهض أيضاً حلم النظام الرئاسي الذي يسعى رئيس الحزب أردوغان إلى إرسائه، وفي ظل التراجع المستمر لشعبيته توجه الحزب ثلاث مرات إلى الشعب من أجل إجراء تعديلات دستورية، والتغلب على قوى المعارضة التي سعت إلى سحب البساط من تحت قدميه.
في المرة الأولى، عرض حزب العدالة والتنمية عام 2010 على الشعب التركي الاستفتاء من أجل تعديل بعض المواد الدستورية والمواد الأخرى المتعلقة بقانون الأحزاب والقضاء، ووافق الشعب التركي بنسبة 58 % على الاستفتاء والتعديلات الدستورية المقترحة ومنها: حزمة تعديلات متعلقة بالحقوق الديمقراطية والسياسية والاجتماعية للمواطنين، وتقليص سلطة الجيش وهيئة الأركان والقوى القومية المتشددة على الحياة السياسية والمدنية والاجتماعية والتي تصب في صالح حزب العدالة والتنمية، وزيادة نفوذ رجال الأعمال والمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال والطبقات الحاكمة من خارج السلك العسكري والبيروقراطي لأجهزة الدولة.
في المرة الثانية، عرض العدالة والتنمية على الشعب عام 2014 الاستفتاء من أجل تعديل بعض المواد الدستورية التي تتيح انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من قبل الشعب، عوضاً عن انتخابه من قبل البرلمان، وهو ما جرى فعلاً وبنسبة 51،4 حيث انتُخب أردوغان رئيساَ للجمهورية في ذلك العام.
والمرة الثالثة كانت في 16 أبريل/ نيسان 2017 حيث شهدت تركيا استفتاءً على التعديلات الدستورية، صوّت خلالها الشعب التركي على التعديلات بنسبة 51،3 %، وفتحت هذه التعديلات الباب أمام تركيا للانتقال إلى النظام الرئاسي.
لكن المعارضة التركية رفضت نتيجة الاستفتاء، إذ طالب حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا بإعادة فرز 60% من الأصوات في استفتاء التعديلات الدستورية، ورأى الحزب بأن قرار هيئة الانتخابات في تركيا قبول بطاقات الاقتراع غير المختومة، يطرح تساؤلات بشأن نزاهة الاستفتاء، وذكر حزب الشعب في بيان أن قوات الأمن قامت بطرد المراقبين أثناء الفرز بحجة قانون الطوارئ في (شمال كردستان) جنوب شرقي تركيا، حيث صوت معظم الناخبين ضد الإصلاحات.
وقالت القيادية في حزب الحركة القومية المعارض في تركيا، ميرال أكشنار إن غالبية الأتراك عارضوا الإصلاحات الدستورية التي توسع صلاحيات أردوغان. ومن جهته، قال قيادي في حزب الشعوب الديمقراطي المعارض إن 668 صندوق انتخابي في جنوب شرقي تركيا نتائج فرزها مختلفة عن النتائج التي تم تسجيلها في اللجنة العليا للانتخابات.
2-حزب الحركة القومية:
تأسس حزب الأمة عام 1948 بعد انفصال مجموعة من كوادر الحزب عن حزب الشعب الجمهوري، لكنه أغلق في 27 يناير/ كانون الثاني 1954 لاتهامه بالاستناد إلى أسس دينية، وبعد ذلك غيّر الحزب اسمه في 10 فبراير/ شباط 1954 إلى حزب الأمة المؤيد للجمهورية بقيادة عثمان بولوكباشين، وانضم إليه سنة 1958 الحزب الريفي التركي ليصبح حزب الأمة الريفي الجمهوري، وبعد ثلاث سنوات على الانقلاب العسكري عام 1960، عاد من المنفى آلب أرسلان توركيش إلى تركيا في 23 فبراير/ شباط 1963، وانضم هو وزملاؤه إلى حزب الأمة الريفي الجمهوري 22-23 فبراير/ شباط 1964.
وبدأ الترويج من داخل الحزب لفكرة القومية التركية، وفي هذه المرحلة بدأ تأسيس حزب الحركة القومية، والتمهيد له بعدما اختير آلب أرسلان توركيش في 1 أغسطس/ آب 1965 رئيسا لحزب الأمة الريفي الجمهوري، وبعد أربع سنوات عقد مؤتمر استثنائي في فبراير/ شباط 1969، وتم تغيير اسم الحزب إلى “حزب الحركة القومية” ثم تغيير شعاره إلى “الأهلّة الثلاثة” بدل شعار الميزان. حصل الحزب في الانتخابات التشريعية عام 1969 على 3% من الأصوات، ما مكّن رئيسه آلب أرسلان توركيش من دخول مجلس النواب لأول مرة، وارتفع عدد نوابه إلى ثلاثة في انتخابات عام 1973، وشارك في حكومة الجبهة القومية برئاسة سليمان ديميريل في 31 مارس/ آذار 1975، وارتفع عدد نوابه إلى ستة مقاعد بحصوله على 6،4 % من الأصوات في انتخابات 5 يونيو/ حزيران 1977، وشارك في حكومة الجبهة القومية الثانية. رُفعت ضد الحزب دعوى قضائية في 1981، وخلال المحاكمات التي استمرت أربع سنوات تقريباً، أسس عدد من كوادر الحزب حزباً جديداً باسم حزب المحافظين 1983، تم تغيير اسمه بعد ذلك إلى “حزب العمل القومي” في نوفمبر/ تشرين الثاني 1985، وفي 4 أكتوبر/ تشرين الأول 1987 انعقد مؤتمر استثنائي للحزب انتخب فيه آلب أرسلان رئيساً له.
شارك حزب الحركة القومية في الانتخابات التشريعية 1991 متحالفاً مع حزب الرفاه وحزب الإصلاح الديمقراطي، وحصل على 16.9 % من الأصوات ودخل البرلمان. وفي 7 يونيو/ حزيران 2015 احتل الحزب المرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية بحصوله على 80 مقعداً، ووضع رئيسه شروطاً لتشكيل ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية، على رأسها إنهاء عملية السلام مع الكرد.
وبعد فشل تشكيل حكومة ائتلافية، دعا الرئيس التركي طيب رجب أردوغان إلى انتخابات مبكرة يوم 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، تراجعت فيها نتائج الحركة القومية وفقدت فيها 39 مقعداً بحصوله على 41 مقعداً فقط .
3-حزب الشعب الجمهوري (CHP)
شكّل مصطفى كمال أتاتورك حزب الشعب الجمهوري في التاسع من سبتمبر/ أيلول 1923، وكان زعيمه الأول وبقي في الحكم حتى وفاته عام 1938. وبعد وفاة أتاتورك انتخب عصمت أينونو زعيماً للحزب، ولم يكن على الساحة السياسية التركية سوى حزب الشعب الجمهوري حتى عام 1946، حين انتقلت تركيا إلى نظام التعددية الحزبية، وأجريت أول انتخابات نيابية عامة في تاريخ البلاد وفاز الحزب بالسلطة بأغلبية ساحقة. لكنه خسر الانتخابات أمام الحزب الديمقراطي الذي كان يتزعمه عدنان مندريس سنة 1950، فبقي في المعارضة من عام 1950 حتى عام 1960.
وفي عام 1972 انتخب بولنت أجاويد زعيما للحزب، فكان الزعيم الثالث في تاريخ الحزب، وشكّل الحزب بعد انتخابات 1973 حكومة ائتلافية مع حزب السلامة الوطني الذي كان يتزعمه نجم الدين أربكان، وفي عام 1978 تسلم مقاليد الحكم في حكومة ائتلافية أخرى. وبعد الانقلاب العسكري الذي وقع في 12 سبتمبر/ أيلول 1980 قام القادة العسكريون بإغلاق الحزب إلى جانب الأحزاب السياسية الأخرى، وأعيد فتح الحزب بعد 12 عاماً (1992) بقيادة دنيز بايكل، وحصل في انتخابات 1995 على نسبة 11 % من الأصوات التي مكنته من إحراز 49 مقعداً في البرلمان، لكنه فشل في انتخابات 1999 ولم يستطع أن يتجاوز العتبة الانتخابية حيث حصل على 8.7 % فقط من الأصوات مع أنه كان الفائز بأغلبية واسعة في بعض المحافظات، لذا بقي خارج البرلمان.
حقق الحزب 19.39 % من الأصوات في انتخابات 2002 وفاز بـ 177 مقعداً، ونال 20.88 % من أصوات الناخبين في انتخابات 2007 خوّلته للفوز بـ 112 مقعداً، فيما بلغت نسبة الأصوات التي حصدها في انتخابات عام (2011)، 25.98 %، وبلغ عدد نوابه 135 نائباً. وفي انتخابات يونيو/ حزيران 2015 حصل الحزب على 24.96 % وتمكن من الفوز بـ132 مقعداً، وبعد فشل تشكيل حكومة ائتلافية، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى انتخابات مبكرة يوم 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، حصل فيها حزب الشعب الجمهوري على المرتبة الثانية بنسبة 25.38% وتمكن من الفوز بـ 134 مقعداً.
4-حزب الخير:
ميرال أكشينار.. رئيسة حزب الخير ذات توجه قومي متطرف منشق من حزب الحركة القومية والتي تعول عليها المعارضة التركية للإطاحة بأردوغان، وبعد قرار أردوغان للانتخابات المبكرة، توجهت الأنظار في الداخل والخارج إلى ميرال أكشينار، زعيمة حزب الخير حديث التأسيس، تلك السيدة التي يعول عليها الكثيرون لإصلاح العطب الذي أصاب المعارضة التركية، ويطمحون أن تشكل رقماً صعباً في المنافسة الانتخابية أمام أردوغان، انضمت أكشينار إلى حزب العدالة والتنمية في بدايات تأسيسه، قبل أن تتركه لاحقاً إذ اعتبرت أنه “مجرد امتداد لحزب الرفاه”، و نجحت أكشنار في دخول البرلمان في الانتخابات البرلمانية 1995 و1999 عن حزب الطريق القويم (الذي استقالت منه عام 2001)، وانتخابات 2007 و2011 وحزيران/ يونيو 2015 عن حزب الحركة القومية (MHP)، وكانت نائب رئيس البرلمان في دورتين تشريعيتين، لكن حزبها لم يرشحها في انتخابات الإعادة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 بسبب حالة الجدل الداخلية. وبعد الانقلاب الفاشل في 15 يوليو (تموز) 2016، والتبلور في تطابق موقف الحزبين في استفتاء الدستور عام 2017، والذي قضى بتحويل تركيا إلى النظام الرئاسي- أدى ذلك التحالف إلى إثارة حفيظة بعض الأطراف داخل الحركة القومية بزعامة أكشينار، التي قادت محاولة لإطاحة بهجلي من زعامة الحزب، كان مآلها إلى الفشل في نهاية المطاف بعدما حاصرت قوات الأمن مقر انعقاد المؤتمر العام للحزب قبل أن يصدر حكم قضائي ببطلان ذلك الانعقاد، وهو ما كلل جهود “المنشقين” الرامية إلى الإطاحة ببهجلي بعد 20 عامًا من قيادته للحركة القومية- بالفشل.
لم تستسلم أكشينار، إلى فشل مساعيها داخل الحركة القومية، أو لفصلها ومناصريها لاحقاً من الحزب؛ بل واصلت خوض المعركة تحت راية جديدة نسجتها بنفسها، عندما أعلنت تأسيس حزب جديد هو “حزب الخير” يترجم أحيانًا تحت اسم “الحزب الصالح” أو “الحزب الجيد”، وكان من ضمن مؤسسي الحزب أربعة نواب من الحركة القومية، ونائب عن حزب الشعب الجمهوري المعارض.
وتشير تقارير صحفية إلى أن أحد الدوافع الرئيسة التي سرّعت بالانتخابات العامة التركية، وقدّمت موعدها نحو عام ونصف، كان رغبة حزبي الحركة القومية والعدالة والتنمية في حرمان الحزب الوليد من تنظيم صفوفه، ومنعه من اكتساب مساحات سياسية جديدة على حساب القاعدة الانتخابية للحزبين. ولكن رد المعارضة جاء سريعاً، إذ انتقل 15 نائباً من حزب الشعب الجمهوري إلى حزب الخير، ليمنحوه العدد المطلوب للمشاركة في الانتخابات، إذ ينص القانون على أحقية الأحزاب التي تشغل 20 مقعداً فأكثر من البرلمان في خوض السباق الانتخابي مباشرةً.
وفي مقابل قدرتها على اجتذاب أصوات قومية (منازعة بذلك حزب الحركة القومية) ومحافظة، (مستفيدة من السخط الذي أصاب بعض قواعد العدالة والتنمية بفعل سياسات أردوغان)، فإن الأمور لن تكون بالسهولة ذاتها بالنسبة للصوت الكردي، حيث انتهجت الدولة التركية سياسات أكثر تشدداً تجاه الكرد إبان الفترة التي كانت أكشينار في منصب وزيرة الداخلية، وسبق لها أن أعربت عن رفضها محادثات الحكومة مع الجانب الكردي، مؤكدة أنه “لا توجد مشكلة كردية في تركيا”، وأن الإطار القانوني الحالي يعطي الضمانات الكافية بالنسبة لحقوق الأقليات.
ويُعتقد أن أقصى ما يطمح إليه الحزب هو تخطي العتبة الانتخابية (10%) ودخول البرلمان.
5-حزب السعادة الاسلامي:
حزب سياسي تركي، منبثق من حزب الفضيلة الإسلامي الذي حلّته السلطات التركية، وهو يسير على منهج زعيمه الروحي نجم الدين أربكان. وقد فشل في دخول البرلمان في انتخابات 2015.
يتبنّى الحزب التوجه الإسلامي، ويؤيد عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي مع الحرص على توسيع الحريات الديمقراطية دون المساس بالمبادئ التي تقوم عليها الجمهورية التركية من علمانية ونظام جمهوري.
راهن حزب السعادة على عودة نجم الدين أربكان إلى النشاط السياسي وقيادة الحزب في الانتخابات، لكن لجنة الانتخابات العليا أصدرت قراراً بعدم أهلية أربكان لعضوية البرلمان قبل أن يزول الحظر القانوني، وفي عام 2008 انتُخب الدكتور نعمان كورتولموش رئيساً للحزب، وأُعيد انتخابه في المؤتمر الرابع عام 2010، لكنه تمرد على وصاية زعيم الحزب الروحي أربكان، ورفض أن يكون مجرد واجهة له، وبسبب خلاف مع شخصيات في الحزب حول تشكيل إدارته الجديدة، انشق نعمان عن الحزب في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2010 وأسس في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2010 حزب صوت الشعب.
بعد ذلك تولّى البروفيسور مصطفى كمالك قيادة الحزب، وظل يحصل على الأصوات في الانتخابات من دائرة تأثير حزب العدالة والتنمية، ولم يستطع الانفتاح على شرائح تركية أوسع. وأظهر الحزب قدرة على الحشد الجماهيري في عدد من المناسبات، أبرزها الاحتجاجات على الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، وتنظيم الموائد القرآنية الشعبية، ومكنه امتلاكه لصحف يومية وأسبوعية ومجلات دورية ومحطة تلفزيونية، من الحفاظ على حضوره في المشهد السياسي والإعلامي التركي، وسعى باستمرار لاستمالة أتراك المهجر والتجار ورجال الأعمال والفئات المتدينة، لكنه حصل في الانتخابات التشريعية في 7 يونيو/ حزيران 2015 على المرتبة الخامسة بأقل من 3 % من الأصوات.
6-حزب الشعوب الديمقراطي:
حزب كردي تأسس في 15 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2012، يؤكد زعماؤه أنه يمثل كل المواطنين وليس الهوية الكردية وحدها، ينص قانونه الداخلي على أنه “حزب يمثل المضطهدين والمهمشين”. يقدم الحزب نفسه بوصفه حزباً لكل مكونات وأطياف المجتمع التركي، مؤكداً أنه لا يمثل هوية أو عرقاً بعينه، وينفي أن يكون حزباً كردياً بحتاً، بل موجهٌ إلى مناطق تركيا الغربية أيضاً.
شكّل نواب سابقون عن حزب السلام والديمقراطية اللبنة الأولى عند تأسيس الحزب، وحمل مؤتمره الأول يوم 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2013 شعار “هذه البداية فقط”. وبحسب نص قانونه الداخلي، فإن “الحزب يمثل المضطهدين والمهمشين بالدرجة الأولى وكل مكونات المجتمع التركي على اختلاف معتقداتها الدينية وتوجهاتها السياسية والثقافية، وكذلك الأقليات”. ويهدف الحزب إلى “محاربة الاستغلال والتمييز وتوفير حياة كريمة ومساواة للجميع”، كما يسعى لتغيير نظام حزب العدالة والتنمية الذي يعتبره غير ديمقراطي.
ومن مكوناته العديد من الحركات التي شاركت في احتجاجات ميدان تقسيم. وتنظر إليه بعض الأطراف على أنه حركة سياسية استفادت مما تقول إنها مكتسبات تجربة “انتفاضة غيزي”. وتشير أرقام متداولة على نطاق واسع إلى ارتفاع تمثيلية النساء في الحزب، و كان رئيس الحزب صلاح الدين دميرتاش مناصفةً مع السياسية الكردية فيغان يوكساك داغ.
شارك الحزب بالتعاون مع حزب السلام والديمقراطية في الانتخابات البلدية بتركيا عام 2014، وتقاسما الدور، حيث شارك حزب السلام والديمقراطية في المناطق ذات الأغلبية الكردية، أما حزب الشعوب الديمقراطي فشارك في بقية مناطق البلاد. ونظمت صفوف الحزبين بعد الانتخابات على شكل هيكل مشترك، حيث انضمت كتلة نواب حزب السلام والديمقراطية في البرلمان التركي إلى حزب الشعوب.
وحسب الحكومة التركية فإن حزب الشعوب الديمقراطي هو المتهم الأول بالتحريض على الاحتجاجات وأعمال العنف التي شهدتها شوارع العديد من المدن التركية في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول 2014، شهد حزب الشعوب الديمقراطي انعطافة نوعية في تشريعيات يونيو/ حزيران 2015 حيث برز قوة لا يستهان بها في السياسة التركية بعدما تجاوز عتبة الـ 10 % التي يسمح بموجبها للأحزاب بدخول البرلمان. وحظي بنحو 78 مقعداً في المؤسسة التشريعية لفوزه بـ 13 % من مجموع الأصوات.
ولأن أي حزب لم يحصل على الأغلبية المطلقة التي تسمح له بتشكل حكومة بمفرده، ولأن مفاوضات تشكيل حكومة ائتلافية فشلت، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى انتخابات مبكرة يوم 1 نوفمبر/ نشرين الثاني 2015، حيث فقد حزب الشعوب الديمقراطي 19 مقعداً بحصوله على 59 مقعداً بنسبة 10.70 % من الأصوات .
اعتُقل رئيس الحزب صلاح الدين دميرتاش في 4 تشرين الأول 2016 مع الرئيسة المشتركة السابقة لحزب الشعوب الديمقراطي، فيغن يوكساك داغ، و15 نائباً عن الحزب بتهمة الانتماء لحزب العمال الكردستاني أو الترويج له، ولا يزال بعضهم في السجون حتى الآن. وعيّن أعضاء الحزب خلال مؤتمره العام، النائب السابق سيزاي تيميلي (54 عاماً) خلفاً لدميرتاش، فيما تم انتخاب بروين بولدان (50 عاماً) رئيسة مشاركة للحزب، حيث يختار الحزب امرأة ورجلاً في مواقعه القيادية ترسيخاً للمساواة بين الجنسين، كما أنه الحزب الوحيد في البرلمان التركي الذي عارض الهجوم العسكري الذي شنته تركيا في منطقة عفرين بشمال سوريا ضد وحدات حماية الشعب؛ وفي دعوة إلى المجتمع الدولي للتدخل، وصف حزب الشعوب الديمقراطي العملية العسكرية التركية في عفرين بأنها “غزو” وتستهدف “الكرد كشعب”.
وبعدما تضرر حزب الشعوب الديمقراطي إلى حد بعيد جراء حملات التطهير التي تلت الانقلاب الفاشل في صيف العام 2016، يؤكد أن أكثر من 350 من أعضائه اعتقلوا بسبب معارضتهم لعملية “غصن الزيتون” التي بدأتها تركيا في عفرين
التحالفات التي شكلتها أحزاب المعارضة فتتلخص في:
إن حزب الشعب الجمهوري – حزب المعارضة الرئيسي في تركيا – شكّل تحالفاً مع ثلاثة أحزاب أخرى ذات توجهات سياسية مختلفة لخوض الانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها يوم 24 يونيو/ حزيران المقبل، فقد توصل حزب الشعب الجمهوري إلى اتفاق مع حزب “الخير” المنشق عن حزب الحركة القومية، وحزب السعادة صاحب التوجه الإسلامي، والحزب الديمقراطي إلى تحالف لمواجهة حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان وحليفه في الحزب الحركة القومية بقيادة بخجلي، حيث يساعد هذا الاتفاق الأحزاب الصغيرة في التحالف على تجاوز القاعدة التي تلزمها بالحصول على 10 % على الأقل من مجموع أصوات الناخبين حتى يسمح لها بالتمثيل البرلماني.
أما بالنسبة لحزب الشعوب الديمقراطي فإن التمثيل النيابي للحزب في البرلمان له أهمية كبيرة بالنسبة لاستقرار تركيا، والقضية الكردية التي ينبغي تجاوزها وإيجاد حلول لها عبر عملية سلمية ديمقراطية، وبالتالي لن يخرج أي حل من برلمان ليس فيه تمثيل لحزب الشعوب الديمقراطي، ولا يمثل فيه الكرد، ولا يقتصر هذا الظلم على مجرد امتهان الحقوق الأساسية، والزج بصلاح الدين دميرتاش، زعيم الشعوب الديمقراطي، وقادة آخرين من الحزب في السجون. بل إن الأمر تعدى ذلك ووصل في ظل قانون الانتخابات الجديد الذي لغيت بموجبه وبشكل فعلي العتبة الانتخابية التي تقدر بـ 10 في المئة بالنسبة للأحزاب التركية لدخولها في تحالفات، بينما بالنسبة للشعوب الديمقراطي، فالأمر على عكس ذلك. أي أن مبدأ العتبة الانتخابية لن يطبق إلا على حزب الشعوب الديمقراطي. لذلك يجب الحذر من هذه القضية بعناية كبيرة من أجل التصدي لهذا الظلم، ولخروقات الديمقراطية، ولهذا البعد الذي جاوز مداه في الغبن.
أسباب الانتخابات التركية المبكرة:
أعتقد أردوغان أن شعبيته وصلت إلى ذروتها بعد الاحتلال التركي لعفرين، وأنّ أوان استثمارها سياسياً قد حان، وفي خطوة مفاجئة أمام الرأي العام التركي قرر أردوغان إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة في 24 حزيران 2018، وجاء ذلك بعد تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب “الحركة القومية” ذي التوجه اليميني المتطرف بقيادة دولت بخجلي الذي أعلن عن موعد الانتخابات المبكرة بعد الاجتماع بينه وبين أردوغان؛ واللذان يعانيان من أزمة خانقة داخل حزبيهما حيث يحاول الطرفان الهروب في خطوة استباقية للأمام خاصة في ظل الجو العام في تركيا المشحون بأزمات اقتصادية على خلفية ما قامت بها الدولة التركية في شن غزوها لعفرين والاستعداد لغيرها وخشية الانقلاب عليه، ويكاد يتفق معظم المحلّلين والمراقبين السياسيين على الأسباب الداخلية والخارجية التي دعت أردوغان للانتخابات المبكرة التي طالما عارض في تقديم موعدها سابقاً، بالرغم من المطالبة المتكرّرة من قبل حزب الشعب الجمهوري المعارض، والأسباب التي دعته أن يُقدِم على هذه الخطوة – وكلّه ثقة بأنّ نتائجها ستأتي في صالحه هي:
1- وجد أردوغان نفسه منتصراً، وظهر بمظهر البطل القومي التركي لدى القوميين الأتراك والإسلاميين المتشددين بعد عدوانه على عفرين واحتلال المدينة بالاتفاق مع الروس والإيرانيين والنظام السوري، وأعاد للذاكرة المحطّات التاريخية للسلاطين العثمانيين، الذين سيطروا على المنطقة بعد انتصارهم على المماليك في معركة مرج دابق عام 1516، ومهدت الطريق لسيطرتهم على البلاد العربية وشمال أفريقيا ومساحات واسعة من أوروبا والقسم الأكبر من أراضي كردستان وأرمينيا لمدة تزيد على أربعة قرون، ولازال العثمانيون الأتراك يحتلون شمال كردستان.
٢- استغلال وضع المعارضة المشتت، فأردوغان استغلّ الانقلاب الفاشل في تموز ٢٠١٦ لضرب خصومه السياسيين والزجّ بالآلاف من السياسيين والعسكريين في المعتقلات من كلّ التيارات السياسية بمن فيهم جماعة فتح الله غولن الداعية الإسلامي حليف أردوغان سابقاً، فحزب الشعب الجمهوري المعارض وريث الكمالية فقد رصيده الشعبي نتيجة أخطاء قياداته والموقف السلبي من القضية الكردية، كما أنّ حزب الخير الجديد بقيادة ميرال أكشينر المنشقّ من الحركة القومية حزب قومي فاشي، كما لم يقف بعد على قدميه، ولن يُسعِفه تلقّيه الدعم واستقالة ١٥ من برلمانيي حزب الشعب الجمهوري وانضمامهم للحزب الوليد حتى يتمكن من المشاركة في الانتخابات المبكرة، كما أنّ حزب السعادة الإسلامي ليس بالقوة التي تؤهله ليكون منافساً لحزب العدالة والتنمية، أما حزب الشعوب الديمقراطي فقد تعرّض لضربة قاسية بعد اعتقال رئيس الحزب صلاح الدين ديمرتاش والزجّ بالآلاف من أعضاء الحزب ورؤساء البلديات والبرلمانيين المنتخبين في السجون والمعتقلات.
٣ – الوضع الاقتصادي والذي يشكل هاجساً لدى العدالة والتنمية، فالأزمة الاقتصادية قد تتفاقم في ظلّ تدهور الليرة التركية وتراجعها أمام الدولار، في الوقت الذي تمرّ فيه أيضاً العلاقات التركية بأزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية والموقف الأوروبي المناهض لقبول عضوية تركيا، والذي قد تتبعه عقوبات اقتصادية ما ينبئ بتدهور الحالة المعيشية للمواطنين، لذلك فتأجيل الانتخابات ليس في صالح أردوغان الذي يجب عليه أن يجد حلولاً اقتصادية تقوّي العملة التركية أمام الدولار، وتعيد الثقة للمستثمرين، ووضع حدّ لهروب رؤوس الأموال وعزوف المستثمرين عن الاستثمار في تركيا نتيجة غياب الاستقرار السياسيّ.
٤ – الإسراع في الانتقال للنظام الرئاسي، فالمرحلة التي تعيشها تركيا الآن انتقالية ما بين النظام البرلماني والرئاسي، ووضع كلّ الصلاحيات بيد الرئيس سيمكّن أردوغان خلال السنوات الخمس القادمة من اتخاذ قرارات حاسمة على كلّ الصعد، وذلك قبل أن تفلت الأمور وينهار الوضع الاقتصادي وتعيد المعارضة لملمة صفوفها.
يُعتقد أنّ الكرد هم بيضة القبان في الانتخابات القادمة، وموقف الكرد من حزب العدالة والتنمية سيكون له التأثير المباشر على نتيجة الانتخابات ونجاحه مرهون بكسب أصوات الكرد، كلّ النجاحات التي حقّقها أردوغان في السابق استندت على أصوات الناخبين الكرد المخدوعين بخطابات أردوغان واستغلاله لمشاعر الكرد الإسلامية، إلا أنّ تحالفه مع حزب الحركة القومية التركية العنصري، والعدوان التركي على عفرين مع التشكيلات العسكرية الإسلامية “الجهادية” تحت رايات “الله أكبر” و”سورة الفتح”، أثار استياءً لدى الشارع الكردي، وقسم كبير من الكرد الإسلاميين من أنصار أردوغان، إذ كشف الأخير عن قناعه، وبات الكرديّ متيقّناً بأنّ أردوغان بعدوانه على عفرين لا يستهدف طرفاً سياسياً كردياً بعينه؛ وإنّما يستهدف الشعب الكردي عامةً. كما يُعتقد أن الانتخابات التركية المقررة إجراؤها في 24 من حزيران القادم والتي ستجرى في ظل حالة طوارئ مفروضة في البلاد منذ محاولة الانقلاب الفاشل في 2016، يستطيع من خلالها التلاعب بنتائج الانتخابات، والفوز بمنصب رئاسة الجمهورية لعدم إمكانية مراقبة صناديق الاقتراع بشفافية، وهذا ما أكدته لجنة المراقبة التابعة للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، بإن “ذلك قد يعرض شرعية الانتخابات للخطر”. إضافة إلى سيطرة أردوغان على وسائل الإعلام والتي يمكن أن يسخّرها لبرنامجه الانتخابي.
من جهة أخرى استطاع أردوغان أن يزيح المرشح الأكثر شعبية في المجتمع التركي عبد الله غول حين أرسل إليه قائد الجيش إلى حديقة منزله، لإقناعه بعدم الترشح للانتخابات المقبلة، وكان ذلك بمثابة تهديد لغول، وكذلك تخلص أردوغان من جميع خصومه من الضباط والسياسيين والقضاة وكل من عارض سياسة أردوغان إثر الانقلاب الفاشل في البلاد، أما بالنسبة لإمكانية التزوير فقد حصل سابقاً في الانتخابات التركية وذلك بقبول بطاقات غير ممهورة كذلك يمكن أن يحصل في الانتخابات المقبلة أيضاً. بذلك يزيد فرص أردوغان في بالفوز في الانتخابات المقبلة، وإذا ما فاز فسيستحوذ على القرار السياسي في البلاد ويتفرد به، ولكن إذا جرت الانتخابات في أجواء ديمقراطية وشفافة فإن أردوغان لن يستطيع الحصول على الأغلبية البرلمانية التي تمكنه من تشكيل حكومة مقبلة، خاصة أن سياسته قد شكلت أزمة سياسية واقتصادية خانقة في البلاد.
أما بالنسبة للمعارضة التي تعيش حالة من الضعف تجعلها عاجزة عن تشكيل البديل القادر على إلحاق الهزيمة بحزب العدالة في الانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها، ويعتقد أن الهدف من تحالف أحزاب المعارضة هو “منع تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية من الحصول على أغلبية البرلمان “لكيلا يتفرد أردوغان بالقرارات المطلقة في البلاد”، وكذلك يسعى التحالف إلى إيصال أحزاب المعارضة الصغيرة مثل السعادة إلى البرلمان، ويصل الحد الأدنى من الأصوات المطلوبة نحو 10 %.
يُعتقد أن الأحزاب الصغيرة التي لا تتمتع بشعبية كبيرة في تركيا ستقوم بإقامة تحالفات مع بعض الأحزاب الكبيرة لكي تتجاوز من خلالها عتبة 10 %، وتتمكن من دخول البرلمان وأن هذه الخطوة قد تؤثر على حزب الشعوب الديمقراطي كونه لم يستطع إقامة تحالفات مع أحزاب المعارضة التي تحاول بدورها التنسيق مع أحزاب السلطة في العمل على عدم تجاوز حزب الشعوب الديمقراطي عتبة 10 % وحرمانه من دخول البرلمان. وهناك خطر آخر يتمثل في أن حزب الشعوب الديمقراطي إذا تعرقل في العتبة الانتخابية المذكورة، فإن البيروقراطيين الذين سيعينهم أردوغان هم من سيمثلون ولايات، ديار بكر، وأورفا، ووان في البرلمان. أي أن النواب عن هذه الولايات لن يكونوا من الكرد.
وأخيراً نعتقد بأن هذه الانتخابات المزمع إجراؤها في 24 حزيران القادم ستكون بمثابة مرحلة حاسمة في التاريخ التركي المعاصر، حيث سيحاول حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية الفوز في هذه الانتخابات؛ كون هذه الانتخابات تعتبر بالنسبة لهم قضية وجود لأنهم في حال فشلهم في هذه الانتخابات فأن ذلك سيعرض مسؤولي هذه الأحزاب إلى المسؤولية القانونية بتهم كثيرة منها الفساد المالي والإداري، إضافة إلى الإخفاقات على الصعيد السياسي كون سياسة هذه الأحزاب أدت إلى توترات كثير على الصعيد الدولي والإقليمي والداخلي، من جهة أخرى وبسبب حالة الطوارئ المفروضة على البلاد وغياب رقابة دولية على سير هذه الانتخابات وإبداء الأطراف الدولية خشيتها على مسار هذه الانتخابات؛ فإننا نعتقد بأن هذه الانتخابات لن تجرى في أجواء ديمقراطية ما سيمهد أمام حزب العدالة والتنمية إمكانية الحصول على أغلبية قد لا تتعدى عتبة 52 %، وفي حال انتصار هذا الحزب في الانتخابات فإن ذلك سيكون له نتائج عكسية على الساحتين الداخلية والخارجية، حيث سيحاول أردوغان على الصعيد الداخلي الانتقام من معارضيه وزجّهم في السجون بحجة دعمهم للانقلاب المزعوم، وعلى الصعيد الخارجي سيعمل على إثارة القلاقل والمشاكل على الحدود الجنوبية لتركيا (كردستان العراق، وروج آفا في شمالي سورية). من هنا نعتقد بأنه تقع مسؤولية تاريخية على كافة الشعوب المؤيدة للنهج الديمقراطي في تركيا، للعمل معاً على الوقوف في وجه هذا الحزب وتوجهاته الديكتاتورية.
المصدر : مركز روجافا للدراسات